Share
  • Link copied

في خضم الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين: المغرب يناور بين العملاقين ويعيد رسم مسارات التجارة والاستثمار لضمان السيادة والمرونة الاقتصادية

في ظل تصاعد التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين منذ عام 2018، باتت العديد من الدول النامية، وضمنها المغرب، أمام تحدٍ استراتيجي يتجاوز الحسابات التجارية إلى رهانات جيوسياسية معقدة.

ففي تقرير تحليلي معمّق نشرته مجلة Modern Diplomacy، سلّطت فيه الضوء على تداعيات الحرب الاقتصادية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين على المملكة المغربية، وكيف باتت الرباط تسير على حبل دبلوماسي مشدود للحفاظ على مكانتها الإقليمية واستقلالها الاستراتيجي.

وأوضحت، أن المغرب، بفضل موقعه الجغرافي المحوري بين أوروبا وإفريقيا والمحيط الأطلسي، لم يعد مجرّد متلقٍ لهذا الصراع بل أصبح فاعلاً محورياً يسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص تنموية، من خلال إعادة تموقعه في سلاسل القيمة العالمية واستقطاب الاستثمارات المتنوعة.

بين أوروبا والصين: تحول في موازين التجارة

ومنذ اندلاع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة عام 2018، شهد المغرب تحولات كبيرة في خريطة شركائه التجاريين.

فمع تصاعد التعريفات الجمركية، بدأت شركات صينية عديدة – خاصة في الصناعات الخفيفة – تنقل نشاطها نحو المغرب، مستفيدة من موقعه القريب من أوروبا، وتوفر اليد العاملة منخفضة التكلفة، والوصول السلس إلى السوق الأوروبية عبر اتفاقيات التبادل الحر.

ووفق ما أورده تقرير Modern Diplomacy، فقد أصبح ميناء طنجة المتوسط أحد أهم المراكز اللوجستية التي تستقبل بضائع صينية موجهة لأوروبا وإفريقيا، مما عزز مكانة المغرب كمركز عبور استراتيجي في سلاسل التوريد العالمية.

كما شهدت الصادرات الفلاحية المغربية – كالحوامض والطماطم والمأكولات البحرية – إقبالاً متزايداً من السوق الصينية، مدفوعة بالرغبة في تقليص الاعتماد على المزودين الأمريكيين.

واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن هذا التطور لم يخلُ من تحديات، أبرزها المعايير الصحية الصارمة والسياسات الحمائية للصين، التي تتطلب من الرباط توسيع التعاون الدبلوماسي والفني لتجاوزها.

استثمارات الحزام والطريق: فرص كبيرة ومخاطر كامنة

وضمن مبادرة “الحزام والطريق”، استثمرت الصين بشكل لافت في مشاريع مغربية كبرى: مدينة “طنجة تيك”، توسعة الموانئ، ومشاريع طاقية ضخمة.

وبحسب التقرير، فإن هذه الاستثمارات وفّرت تمويلات ميسّرة وساهمت في تسريع الإنجاز، لكنها تطرح تساؤلات حول الاستدانة السيادية والاعتماد المفرط على تمويلات الشرق.

كما أن تنامي استثمارات الشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة في مجالات النسيج والتجميع الإلكتروني خلق فرص عمل جديدة، لكنه في المقابل أفرز تحديات في ما يخص احترام قوانين الشغل والبيئة، ما يستوجب ضبطاً قانونياً ومراقبة صارمة.

التكنولوجيا والرقابة الرقمية: مفترق طرق استراتيجي

ويرى التقرير أن المغرب اليوم في مواجهة قرار مفصلي: هل يعتمد على تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) الصينية، أم الغربية؟ فمثل هذه الاختيارات لا تهم فقط البنية التحتية الرقمية، بل ترسم معالم مستقبل الاقتصاد الرقمي المغربي، وتمس علاقاته مع الشركاء الغربيين، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية لتقييد النفوذ التكنولوجي الصيني عالمياً.

دبلوماسية الحياد الإيجابي: مناورات محسوبة

وفي الجانب السياسي، يعتمد المغرب على استراتيجية متوازنة تجمع بين تعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية مع واشنطن، والانفتاح على بكين كشريك اقتصادي استراتيجي.

لكن هذا التوازن هش، ويهدده انعدام البدائل الغربية الجدية في بعض القطاعات، مما قد يدفع الرباط إلى مزيد من الاعتماد على التمويل الصيني، مع ما يحمله ذلك من مخاطر هيمنة ناعمة.

وأمام اشتداد التوتر بين القوتين العالميتين، تقف المملكة المغربية أمام لحظة استراتيجية دقيقة. فقراراتها المقبلة في ما يخص التكنولوجيا، الاستثمار، والبنية التحتية لن تحدد فقط شكل علاقاتها بالصين والولايات المتحدة، بل ستؤسس لموقعها في نظام عالمي جديد يتشكّل على وقع تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة.

وخلص التقرير، إلى أن المغرب، إن أحسن التقدير، بإمكانه أن يتحول من “حلقة وصل” إلى “قوة وازنة” في معادلات التجارة والاستثمار العالمية، مع الحفاظ على سيادته واستقلاله في عالم متسارع التحول.









Share
  • Link copied
المقال التالي