Share
  • Link copied

في حضرة النداء السادس: لماذا يتعين علينا تلبية نداء الجمع العام السادس لنادي قضاة المغرب بكثافة وفعالية؟!

في زمن تتنازع فيه القيم وتتهافت فيه المواقف، يلوح الجمع العام السادس لنادي قضاة المغرب كنبراس هادئ في عتمة الجدل، ومرفأ تتجه إليه بوصلة القضاة حين يضطرب البحر، لا بوصفه تجمعا إداريا ، بل باعتباره فعلا رمزيا يؤكد أننا شركاء في رسم أفق جديد للسلطة القضائية، ولعل أهم مظان ذلك هو تحصين أعضائها اقتصاديا واجتماعيا.

أولا: لماذا يجب أن نحضر الجمع العام؟

الحضور في الجمع العام السادس لنادي قضاة المغرب ليس مجرد “رقم في سجل”، ولا مجرد “حضور في قاعة”، ولا “موعد روتيني”، بل هو حضور يتجاوز الجغرافيا والزمان لأن اللحظة ليست عابرة، بل هي مفصل من مفاصل الزمن القضائي المغربي، حضورنا هو تعبير حي عن يقظة الضمير الجماعي، ومؤشر يؤكد على أن جسد نادي قضاة المغرب لا يزال نابضا بالعزم والوعي والمسؤولية، وأن قضاة النادي حين يتواعدون لا يتأخرون.

إن في كل كرسي يملأ يوم 17 ماي القادم، وفي كل صوت يرفع؛ رسالة تقول إن القضاة موحدون حول قضيتهم، متشبتون باستقلاليتهم، وعازمون على رسم ملامح عدالة تليق بثقة المواطن وسمو الرسالة.

يوم الجمع العام؛ لا يُطلب منا أن نكون مجرد أجساد تملأ المقاعد، ولا أن نؤدي واجبا اعتياديا في رزنامة الأيام؛ بل هو موعد لتجديد ديمقراطية نادي قضاة المغرب، بما يتطلبه الأمر من الاستمرار في البناء المؤسسي، على أن يكون الاختلاف والتنوع مصدر قوة، وهو ما يجعل النادي حيا، نابضا بالروح الجماعية، مفتوحا لكل القضاة على اختلاف أجيالهم وتوجهاتهم؛ ولعمري فإن ذلك لن يتحقق إلا بالإدماج الحقيقي والمشاركة الفعّالة للعقول والضمائر في التفكير، والأيدي في البناء، والقلوب في الإنتماء.

إن هذا اللقاء يحمل في طياته معنى أعمق، هو نبض يتجدد لعهد قطعناه مع ضميرنا الجمعوي والمهني، وصوت نرفعه تأكيدا على انتمائنا لسلطة قضائية مستقلة عادلة وحامية للحقوق والحريات.

ثانيا: كيف يكون لحضورنا معنى؟

حضورنا الجمع العام السادس؛ هو موعد لا يجب أن يختزل في إجراء تنظيمي، بل يتعين أن يجسد روح الانتماء لفكر نادي قضاة المغرب، حيث يتحول الاجتماع من طقس إداري إلى لحظة تلاقح الجسد بالفكر ، فلنلبي النداء، لا فقط بأجسادنا، بل بأفكارنا، وبالرسالة السامية التي نحملها في طيات روب القضاء؛ لأن التاريخ لا يُكتب في الهامش، بل في صدارة الموقف؛ فالجمع العام ليس مناسبة فقط، بل هو مرآة تعكس ضمير القضاة، ومنصة يُرفع فيها الصوت دفاعا عن الحقوق، وعن شروط العمل، وعن قدسية الميزان. إنه موعد مع الذاكرة المهنية، ومع الرؤية المشتركة التي لا تتشكل إلا حين تلتقي العقول والقلوب على كلمة سواء.

فلنكن على الموعد، لا كمشاركين فحسب، بل كمؤمنين برسالة القضاء، حاملي شعلة الأمل، وحراس هيبته أمام تقلبات الزمان وضغوط الحاضر، لأننا حين نجتمع، فإننا لا نعدّ الرؤوس، بل نوزن العزائم، ونرسم ملامح مستقبل يليق بقاض لا ينحني لغير القانون.

وبالتالي؛ فإن وجودنا يوم 17 ماي ليس عابرا، بل هو علامة على إيماننا العميق بضرورة الإسهام في بناء عدالة تليق بكرامة القاضيات والقضاة، وعدالة لا تكتمل إلا بتحصينهم من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، ليظلوا أمناء على ميزان الحق.

تخبرنا التجارب الدولية المقارنة أن القضاة، من خلال تنظيماتهم المهنية والمؤسساتية ، قادرون على تعزيز استقلالية السلطة القضائية والمساهمة في تطوير النظام القضائي، والمنافحة عن تحصين القاضيات والقضاة اقتصاديا واجتماعيا بضمان توفير الموارد اللازمة لأداء مهامهم وتوفير العدالة لجميع المواطنين.

وهكذا؛ في يوليو 2024 أصدر الاتحاد الأوروبي للقضاة MEDEL (Magistrats Européens pour la Démocratie et les Libertés) بيانا يؤكد فيه أن الاستقلالية المالية للقضاة، بما في ذلك الأجور والمعاشات التقاعدية، تعد ضمانا أساسيا لاستقلالهم. وأشار البيان إلى أن المحاكم الأوروبية أكدت في أحكامها على ضرورة توفير مستوى مناسب من التعويضات للقضاة بما يتناسب مع مهامهم ومسؤولياتهم.

وفي إسبانيا؛ تعتبر جمعية القضاة من أجل الديمقراطية (Juezas y Jueces para la Democracia – JpD) من أبرز الجمعيات المهنية التي تدافع عن استقلالية القضاء وحماية حقوق القضاة؛ فهي تشارك في التفاوض بشأن تحسين الأجور وظروف العمل للقضاة، كما تساهم بتقديم ملاحظات على التشريعات المتعلقة بالسلطة القضائية لضمان تصريف أعضائها لعملهم كحق للمواطن في الحصول على العدالة.

و في تقرير صدر في ديسمبر 2024، أعربت رابطة القضاة الأستراليين عن قلقها من اقتراح تغيير في فرض الضرائب على معاشات القضاة، معتبرة أن ذلك قد يؤثر على استقلالية القضاء. كما أشارت إلى غياب هيئة تمثل القضاة أو تنظم شؤونهم، مما يعرضهم لضغوط سياسية محتملة.

وعلى المستوى المؤسساتي؛ يعتبر المجلس الوطني للقضاة في إيطاليا (Consiglio Superiore della Magistratura – CSM) من أبرز الهيئات التي تدافع عن استقلالية القضاء؛ فهو يشارك في تقديم ملاحظات على الميزانيات المخصصة للسلطة القضائية لضمان توفير الموارد اللازمة لأداء أعضائها لعملهم.

وبخصوص مدى جواز مشاركة القضاة في الشأن العام؛ ألقى القاضي جون روبرتس، رئيس المحكمة العليا الأمريكية، كلمة بتاريخ السابع من ماي 2025 في الاحتفالات التي نظمتها المحكمة الجزئية للمنطقة الغربية من نيويورك بمناسبة الذكرى الـ 125 لتأسيس المحكمة الفيدرالية في نيويورك، جاء فيها أن السلطة القضائية لا تعمل في فراغ، بل هي جزء أساسي من النظام الديمقراطي، وأن ابتعاد القضاة عن الشأن العام قد يؤدي إلى عزلة خطيرة تفصلهم عن المجتمع الذي يخدمونه، مما قد يضعف ثقة الجمهور في النظام القضائي.

خلاصة ووهج الحضور:

لذلك؛ ففي يوم السابع عشر من مايو، حيث تلتقي الأرواح على نية الإصلاح، وتنعقد العزائم على صعيد الوفاء المهني، نُدعى لكتابة سطور جديدة في سجل الحراك القضائي، لا تُخطّ بالحماسة، بل تُسطر بمداد الحكمة وروح المسؤولية.
فلتكن اختياراتنا مرآة لنضج التجربة، لا صدى للارتجال، ولتكن أجهزتنا المنتخبة حصونا للعقل والبصيرة، وإنني على يقين راسخ بأن السيدات القاضيات والسادة القضاة، أهل الفطنة والتمييز، سيحملون أمانة التصويت بما يليق بمقامهم العالي وبما يخدم المصلحة الجماعية، فيصدق فيهم القول بإنهم صوت الحكمة حين تُنادى، ورمز الثقة حين تُستودع.

إنها لحظة صدق مع الذات، وموعد لانتخاب من يتحملون عبء أمانة السير بالإطار على دربٍ راسخ تظلله قيم الإخلاص، وتوجّهه غاية نبيلة وهي: الدفاع عن تحصين القاضيات والقضاة اقتصاديا واجتماعيا، بما يعزّز قدرتهم على الاضطلاع برسالة العدل، تلك الرسالة السامية التي تُعد حقا أصيلا للمواطن، وركنا من أركان وطن نريده قويا، عادلا، نحبه جميعا ونسعى لرفعته.

الرئيس السابق للمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي