Share
  • Link copied

في الرد على معارضي تعديلات مدونة الأسرة المغربية

التعديلات على مدونة الأسرة: قراءة أصولية وفقهية معمقة

الوقفة الأولى: بيت الزوجية بين أحكام المواريث ومقاصد الشريعة

مسألة إيقاف بيت الزوجية مؤقتًا لصالح الزوجة والأبناء القاصرين ليست خروجًا عن أحكام الإرث، بل هي تدبير يستند إلى مقاصد الشريعة في حفظ النفس والعرض وحماية الأسرة من التشرد. الشرع الإسلامي يؤسس أحكامه على قواعد كلية تشمل رفع الضرر وجلب المصلحة.

الأساس الأصولي للتعديل:

• قاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”: إخراج الورثة للزوجة القاصرة من بيت الزوجية دون توفير بديل آمن لها يشكل مفسدة ظاهرة، خصوصًا في ظل ضعف التكافل الاجتماعي.
• قاعدة “الحاجة تنزل منزلة الضرورة”: الحاجة العامة للزوجة والأبناء للسكن تعتبر حاجة معتبرة شرعًا تبرر اتخاذ تدبير مؤقت لحمايتهم.

الاستدلال الفقهي:

1. السكن أثناء العدة: نص الفقهاء على وجوب بقاء الزوجة المتوفى عنها زوجها في بيت الزوجية أثناء عدتها. قال الإمام مالك: “العدة في بيت الزوجية واجبة؛ لأن في ذلك حفظًا لها وللأسرة.”
2. قضاء النبي ﷺ: جاء في الحديث أن النبي ﷺ أمر أن تبقى دور المهاجرات لهن بعد وفاة أزواجهن، مما يدل على جواز تخصيص السكن مؤقتًا لحماية النساء. وهذا ليس من باب الإرث، بل من باب الإرفاق.
3. القياس على نساء النبي ﷺ: استمر نساء النبي ﷺ في حجراته بعد وفاته رغم أنه لا ميراث لهن فيها، مما يدل على أن تخصيص السكن كان للانتفاع المؤقت، لا للتمليك.

الوقفة الثانية: ديون الزوجين والمسؤولية المشتركة

القول باعتبار ديون الزوجين التزامات مشتركة يثير إشكالًا في ظاهر الأمر مع استقلال الذمة المالية لكل منهما. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى طبيعة الأسرة كمؤسسة تعاونية، نجد أن الأصل هو الاشتراك في المنافع والمغارم.

الأصل الشرعي في استقلال الذمة:

• قال تعالى: {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} (الأنعام: 164)، وهو دليل على أن الأصل في الشرع استقلال الذمة المالية.
• القاعدة الفقهية: “الأصل براءة الذمة.”

تقييد هذا الأصل بالمصلحة:

لكن، عندما تكون الديون مرتبطة بمشاريع أو التزامات تخدم الأسرة ككل، فإن المصلحة تقتضي اشتراك الزوجين في تحملها:
• قاعدة “الغرم بالغنم”: إذا كان الدين قد استفاد منه جميع أفراد الأسرة، فمن العدل أن يشترك الجميع في تحمله.
• الفقه المالكي: أجاز المالكية اشتراك الشريكين في التبعات المالية للمشاريع المشتركة. قال خليل بن إسحاق: “الشراكة تلزم كلا الطرفين بما عليهما من التزامات دون تفريق.”

الضوابط الشرعية:

1. رضا الطرفين: الأصل أن يتحمل كل طرف ديونه الشخصية، إلا إذا ثبت أن الدين قد أُخذ بموافقة ورضا الطرفين لصالح الأسرة.
2. تحديد المسؤولية: إذا تعلق الدين بمشروع مشترك، فإن تحمل المسؤولية يكون بقدر الانتفاع.

الوقفة الثالثة: رفع سن الزواج وتنظيم التعدد: بين المصلحة الشرعية والواقع

رفع سن الزواج إلى 18 عامًا وتنظيم التعدد ليس من باب التحريم لما أحله الله، بل هو من باب التقييد المصلحي للمباح، وهو ما أجازه الفقهاء استنادًا إلى صلاحيات ولي الأمر لتحقيق مقاصد الشرع.

رفع سن الزواج:

1. قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي: أجاز المجمع رفع سن الزواج وفقًا للظروف الاجتماعية والاقتصادية لكل بلد. وأكد أن هذا التقييد لا يناقض الشرع إذا كان يحقق مصلحة معتبرة، مثل حماية القاصرات من الاستغلال وضمان نضجهن البدني والعقلي.
2. السيرة النبوية: زواج السيدة عائشة رضي الله عنها كان في سياق اجتماعي مختلف، حيث كانت البيئة تعزز النضج المبكر. القياس على هذا الواقع في زمننا دون اعتبار الفوارق الثقافية والاجتماعية يعد قياسًا مع الفارق.

تنظيم التعدد:

1. اشتراط العدل: قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (النساء: 3)، وهو شرط أساسي لتعدد الزوجات. إذا تعذر العدل، فإن التقييد يصبح واجبًا لتحقيق مقاصد الشرع.
2. صلاحيات ولي الأمر: أجاز الفقهاء لولي الأمر تقييد المباح إذا كان يحقق مصلحة عامة. قال ابن القيم: “تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.”

الوقفة الرابعة: مقاصد الشريعة والتوازن بين النصوص والواقع

الشريعة الإسلامية ليست مجموعة من الأحكام الجزئية فحسب، بل هي نظام متكامل يراعي المصالح العامة ويدفع المفاسد. التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة جاءت استجابة لتحولات اجتماعية واقتصادية تتطلب اجتهادًا يعكس روح الشريعة.

الدليل الأصولي:

• قاعدة “تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان”: الفقيه ابن القيم أكد أن الفتوى تتغير بتغير العرف والمصلحة، شريطة أن تكون منضبطة بأصول الشرع.
• العمل بالمصلحة المرسلة: المصلحة المرسلة تعد أداة اجتهادية معتبرة لتحقيق ما لا نص فيه، شرط عدم مصادمتها للنصوص القطعية.

خاتمة: الاجتهاد الشرعي واستجابة التحديات

التعديلات على مدونة الأسرة، بما فيها مسألة بيت الزوجية، الديون، وسن الزواج، ليست خروجًا عن الشريعة، بل هي اجتهادات تسعى لتحقيق مقاصدها الكبرى في حفظ النفس، العرض، والنسل.

الاعتراضات التي أثيرت تحتاج إلى تعمق في فهم الأصول الشرعية وظروف الواقع. وكما قال الإمام مالك: “الأمر الذي يجمع الناس عليه ويكون فيه صلاحهم، فهو السنة.”

قراءة تأصيلية: مقاصد التعديلات الجديدة على مدونة الأسرة في ضوء الفقه الإسلامي

الوقفة الأولى: بيت الزوجية: بين النصوص الشرعية والمقاصد الكلية

التعديل المتعلق ببيت الزوجية أثار جدلًا بين من رأى فيه تعديًا على النصوص الشرعية المتعلقة بالإرث، ومن اعتبره استجابة لمتطلبات الواقع. لكن العودة إلى مقاصد الشريعة وأحكامها تظهر أن هذا الإجراء لا يتعارض مع الشرع، بل ينبني على قواعد معتبرة.

الأساس الشرعي للمقترح:

• قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: إذا كان إخراج الزوجة من بيت الزوجية بعد وفاة الزوج يؤدي إلى ضرر واضح، فإن تخصيص البيت لها لفترة محددة يحفظ مصلحة الأسرة دون الإضرار بالورثة.
• السكن أثناء العدة: الفقهاء متفقون على أن للمرأة المتوفى عنها زوجها حق البقاء في بيت الزوجية خلال العدة. قال الإمام مالك في الموطأ: “عدة المتوفى عنها زوجها تكون في بيتها الذي توفي فيه زوجها.”

القياس الشرعي:

1. نساء النبي ﷺ: بقيت زوجات النبي في حجراته بعد وفاته. هذه الحُجر لم تكن ملكًا لهن، لكنها خُصصت لهن على سبيل الانتفاع. القياس هنا يشير إلى مشروعية تخصيص بيت الزوجية مؤقتًا للزوجة.
2. حديث المهاجرات: أمر النبي ﷺ أن تُورث دور المهاجرات للنساء بعد وفاة أزواجهن. قال الإمام الخطابي: “هذا التوريث كان لمصلحة مؤقتة، وهو انتفاع لا تمليك.”

مقاصد الشرع:

• حماية الأسرة من التشرد.
• حفظ كرامة الزوجة والأبناء القاصرين.
• تحقيق التوازن بين حقوق الورثة ومصلحة الأسرة.

الوقفة الثانية: ديون الزوجين والمسؤولية المشتركة

من بين النقاط المثيرة للنقاش، اعتبار ديون الزوجين التزامات مشتركة. هذا المبدأ يمكن فهمه في إطار الشراكة الأسرية والمسؤولية المشتركة.

التأصيل الفقهي:

• الأصل استقلال الذمة المالية: قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} (الأنعام: 164). وهذا يعني أن كل فرد يتحمل مسؤولية أفعاله المالية.
• قاعدة الغرم بالغنم: إذا استفادت الأسرة من القرض أو الالتزام المالي، يصبح من العدل أن يشترك الجميع في تحمل تبعاته.

الفقه المالكي:

• المالكية أكدوا في باب “الشركة” أن التزامات الشركاء تُقسم حسب نسبة استفادتهم. وإذا كان الدين قد أُخذ لصالح الأسرة، فمن المشروع أن تتحمل الزوجة جزءًا منه.

ضوابط شرعية:

1. إثبات الاستفادة المشتركة: إذا كان الدين قد أُخذ لصالح الأسرة، فإن اشتراك الزوجة في المسؤولية يصبح مبررًا.
2. الرضا: لا يجوز إلزام أحد الطرفين بدين لم يكن طرفًا فيه إلا برضاه.

الوقفة الثالثة: رفع سن الزواج وتنظيم التعدد: مقاصد التنظيم الفقهي

رفع سن الزواج إلى 18 عامًا وتنظيم التعدد يتماشيان مع مقاصد الشريعة في حفظ النسل والنفس وتحقيق المصلحة العامة.

رفع سن الزواج:

• قرارات مجمع الفقه الإسلامي: أكد المجمع أن رفع سن الزواج بما يناسب الواقع الاجتماعي والاقتصادي لكل بلد أمر مشروع. الهدف هو منع الضرر عن القاصرات وضمان النضج الجسدي والعقلي للزوجين.
• السيرة النبوية: زواج النبي ﷺ بالسيدة عائشة في سن صغيرة كان في سياق اجتماعي وثقافي مختلف. القياس على ذلك دون اعتبار للواقع الحالي يعدّ قياسًا مع الفارق.

تنظيم التعدد:

• اشتراط العدل: قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (النساء: 3). إذا كان تحقيق العدل متعذرًا، فإن التقييد يصبح ضرورة.
• صلاحيات ولي الأمر: أجاز الفقهاء لولي الأمر تقييد المباح لتحقيق المصلحة العامة. قال ابن القيم: “تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.”

الوقفة الرابعة: بين الفقه النصي والفقه المقاصدي

التعديلات على مدونة الأسرة تعكس اجتهادًا فقهيًا يعبر عن روح الشريعة أكثر من حرف النصوص. الشريعة الإسلامية ليست مجموعة نصوص جامدة، بل نظام ديناميكي يُراعي المصالح المتغيرة.

الدليل الأصولي:

• قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان: قال ابن القيم: “الفتوى تتغير بتغير العرف والمصلحة.”
• المصلحة المرسلة: الإمام مالك اعتبر المصلحة أداة اجتهادية لتطوير الفقه بما يحقق الخير ويدفع الشر.

خاتمة: التعديلات بين النقد البناء والمصلحة الشرعية

التعديلات المقترحة ليست خروجًا عن الشريعة، بل محاولة لتحقيق التوازن بين النصوص والمقاصد. النقد العلمي البناء مطلوب لتجويد هذه التعديلات، لكن التجريح والتشكيك في النوايا قد يؤدي إلى تعطيل مسيرة الإصلاح.

يبقى التحدي في استمرار الحوار بين العلماء والباحثين والمجتمع لتحقيق مقاربة عادلة وشاملة تحفظ حقوق الأفراد وتعزز استقرار الأسرة في إطار الشريعة الإسلامية.

التعديلات على مدونة الأسرة: قراءة أصولية ومقاصدية لتعزيز استقرار الأسرة

الوقفة الأولى: بيت الزوجية: بين أحكام المواريث ومقاصد الشريعة

مسألة بيت الزوجية كانت دائمًا نقطة خلافية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتخصيصه للزوجة أو الأبناء بعد وفاة الزوج. التعديل الذي يخص “إيقاف” بيت الزوجية مؤقتًا لصالح الزوجة أو الأبناء القاصرين، لا يعد خروجًا عن أحكام الإرث، بل هو تدبير استثنائي مؤقت يهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة العليا.

الأساس الشرعي للتعديل:

• قاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”: إذا كان إخراج الزوجة أو الأبناء من بيت الزوجية يؤدي إلى أضرار واضحة، فإن الحفاظ على استقرارهم يُعدّ مصلحة شرعية تبرر الإيقاف المؤقت.
• قاعدة “الحاجة تنزل منزلة الضرورة”: الحاجة المعتبرة شرعًا تبيح اتخاذ إجراءات استثنائية مؤقتة، كما في حالة الزوجة أو الأبناء الذين لا يملكون ملاذًا آخر.

أدلة شرعية وفقهية:

1. حديث المهاجرات: جاء في الحديث أن النبي ﷺ أمر أن تبقى دور المهاجرات لهن بعد وفاة أزواجهن، مما يشير إلى جواز تخصيص السكن لهن بشكل مؤقت للحماية والرعاية.
2. نساء النبي ﷺ: زوجات النبي ﷺ بقين في حجراته بعد وفاته على سبيل الانتفاع، وليس من باب التملك. هذا دليل على أن تخصيص السكن انتفاعًا مؤقتًا لا يتعارض مع أحكام الشريعة.
3. إجماع الفقهاء: أجمع الفقهاء على وجوب السكن للمعتدة في بيت الزوجية، وهو ما يؤكد أهمية السكن كحق ضروري للزوجة في حالات معينة.

الوقفة الثانية: ديون الزوجين والمسؤولية المشتركة: بين استقلال الذمة والشراكة

ديون الزوجين ومسؤولية تحملها تُعد نقطة إشكالية في الفقه والقانون. بينما الأصل الشرعي يؤكد استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين، فإن الواقع الأسري يفرض أحيانًا اشتراكهما في المسؤوليات المالية.

الأصل الشرعي:

• قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} (الأنعام: 164)، مما يؤكد أن كل فرد يتحمل تبعات أفعاله المالية.
• قاعدة “الأصل براءة الذمة”: الأصل الشرعي أن الذمة المالية لكل فرد مستقلة، ولا يتحمل أحد مسؤولية دين الآخر إلا برضاه.

الاستثناء في الشراكة:

• قاعدة “الغرم بالغنم”: إذا كان الدين قد أُخذ لصالح الأسرة أو مشروع مشترك، فمن العدالة أن يُوزع عبء الدين على المستفيدين.
• الفقه المالكي: أجاز المالكية تحميل الشركاء في أي مشروع تبعات الدين بقدر استفادتهم. قال الإمام خليل: “الشراكة تقتضي الاشتراك في الربح والخسارة.”

ضوابط شرعية:

1. الرضا: أي دين يُحمل على الزوجة أو الزوج يجب أن يكون برضاهما.
2. التناسب: تحمل المسؤولية المالية يجب أن يكون متناسبًا مع مستوى الاستفادة.

الوقفة الثالثة: رفع سن الزواج وتنظيم التعدد: رؤية مقاصدية لتنظيم الواقع

التعديلات المقترحة برفع سن الزواج وتنظيم التعدد تثير تساؤلات حول مدى انسجامها مع الشريعة. لكن عند التأمل نجد أنها تنطلق من مقاصد شرعية معتبرة.

رفع سن الزواج:

• قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي: أقر المجمع جواز رفع سن الزواج بما يحقق المصلحة العامة لكل بلد. الهدف من ذلك حماية القاصرات وضمان النضج الجسدي والعقلي للطرفين.
• السيرة النبوية: زواج النبي ﷺ بالسيدة عائشة رضي الله عنها كان في سياق اجتماعي مختلف. القياس على هذا الزواج دون مراعاة اختلاف الظروف يعتبر قياسًا مع الفارق.

تنظيم التعدد:

• اشتراط العدل: قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (النساء: 3). إذا كان تحقيق العدل متعذرًا، فإن التقييد يصبح ضرورة لتحقيق مقاصد الشرع.
• صلاحيات ولي الأمر: أجاز الفقهاء لولي الأمر تقييد المباح بما يحقق المصلحة العامة. قال ابن القيم: “تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.”

الوقفة الرابعة: مقاصد الشريعة بين النصوص والواقع

الشريعة الإسلامية ليست نصوصًا جامدة، بل هي منظومة ديناميكية تراعي التغيرات الزمنية والمصلحية. التعديلات على مدونة الأسرة تعكس اجتهادًا فقهيًا يعبر عن روح الشريعة ومقاصدها الكبرى.

الأدلة الأصولية:

• قاعدة “تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان”: قال ابن القيم: “تتغير الفتوى بتغير العرف والمصلحة.”
• المصلحة المرسلة: أقر الإمام مالك أن المصلحة تعد أداة اجتهادية لتحقيق الخير ودفع الشر، ما لم تصادم نصًا قطعيًا.

خاتمة: نحو اجتهاد متجدد في قضايا الأسرة

التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة ليست خروجًا عن الشريعة، بل هي محاولة لتحقيق التوازن بين النصوص الشرعية ومتطلبات الواقع المعاصر. النقد البناء لهذه التعديلات يجب أن ينطلق من فهم عميق للأصول الشرعية ومقاصدها، بعيدًا عن الجمود أو التساهل.

يبقى الحوار العلمي والفقهي هو السبيل الأمثل لتحقيق مقاربة عادلة وشاملة تحمي الأسرة وتحفظ حقوق جميع أفرادها، مسترشدين بقول الإمام مالك: “ما كان صالحًا للمسلمين فهو السنة.”

بين النصوص والواقع: قراءة أصولية معمقة في التعديلات على مدونة الأسرة

الوقفة الأولى: بيت الزوجية بين أحكام الإرث ومقاصد الشريعة

أثار التعديل المقترح حول إيقاف توزيع بيت الزوجية لصالح الزوجة والأبناء القاصرين نقاشًا واسعًا، حيث اعتبره البعض تعارضًا مع أحكام المواريث القطعية. غير أن قراءة أصولية معمقة تظهر أن هذا التعديل يتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية، التي تهدف إلى حفظ النفس والعرض والمال، ورفع الضرر عن الضعفاء.

الأساس الشرعي للتعديل:

• قاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”: إذا كان إخراج الزوجة أو الأبناء القاصرين من بيت الزوجية يؤدي إلى مفسدة كالتشرد أو التفكك الأسري، فإن تخصيص البيت لهم مؤقتًا يُعدّ ضرورة شرعية.
• قاعدة “الحاجة تنزل منزلة الضرورة”: الحاجة الملحة للسكن تُعدّ مبررًا شرعيًا لإيقاف توزيع البيت مؤقتًا.

الأدلة الفقهية:

1. سكن المعتدة: نص الفقهاء على وجوب بقاء المرأة المتوفى عنها زوجها في بيت الزوجية أثناء عدتها، حفاظًا على استقرارها. قال الإمام مالك: “لا تُخرج المرأة المتوفى عنها زوجها من بيتها أثناء عدتها، حفاظًا على كرامتها واستقرارها.”
2. قياسًا على نساء النبي ﷺ: استمرت نساء النبي في حجراته بعد وفاته على سبيل الانتفاع لا التمليك. وهذا دليل على مشروعية الانتفاع المؤقت بالبيت دون أن يدخل في الملكية الميراثية.
3. حديث المهاجرات: أمر النبي ﷺ أن تبقى دور المهاجرات للنساء بعد وفاة أزواجهن، مما يدل على جواز تخصيص السكن مؤقتًا لحماية النساء من الضرر.

مقاصد التعديل:

• حفظ كرامة الأسرة.
• حماية القاصرين من التشرد.
• توفير الحماية المؤقتة دون الإضرار بحقوق الورثة الشرعية.

الوقفة الثانية: ديون الزوجين بين استقلال الذمة والمسؤولية المشتركة

التعديل المتعلق باعتبار ديون الزوجين التزامات مشتركة أثار جدلًا حول مدى انسجامه مع القواعد الشرعية التي تقرر استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين. ومع ذلك، يتبين أن هذا التعديل يُمكن فهمه في إطار مقاصد الشراكة الأسرية.

الأصل الشرعي:

• استقلال الذمة المالية: قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} (الأنعام: 164). هذا النص يقرر أن كل فرد يتحمل مسؤولية ذمته المالية.
• قاعدة “الأصل براءة الذمة”: الأصل أن الذمة بريئة من أي التزام مالي إلا ما ثبت بالدليل أو التراضي.

المشروعية وفق مبدأ الشراكة:

• قاعدة “الغرم بالغنم”: إذا كان الدين أو القرض قد استفاد منه جميع أفراد الأسرة، فمن العدل أن يتحملوا تبعاته بشكل مشترك.
• الفقه المالكي: أجاز المالكية اشتراك الشريكين في التزامات المشاريع المشتركة وفق نسبة استفادتهما. قال الإمام خليل: “الشراكة توجب الاشتراك في المنافع والمغارم.”

ضوابط التعديل:

1. أن يثبت رضا الطرفين بتحمل المسؤولية المالية المشتركة.
2. أن يكون الدين أو القرض مخصصًا لصالح الأسرة أو مشروع مشترك.
3. ألا يؤدي إلى الإضرار بأي من الطرفين.

الوقفة الثالثة: رفع سن الزواج وتنظيم التعدد بين النصوص والمصلحة

رفع سن الزواج وتنظيم التعدد يثيران جدلًا كبيرًا، لكن فهمهما في ضوء مقاصد الشريعة يظهر أنهما لا يتعارضان مع النصوص الشرعية، بل يسعيان لتحقيق مصلحة المجتمع والأسرة.

رفع سن الزواج:

• قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي: أكد المجمع أنه يجوز رفع سن الزواج وفقًا للواقع الاجتماعي والاقتصادي لكل بلد، شريطة عدم التحريم القطعي. الهدف من ذلك حماية القاصرات وضمان النضج الجسدي والعقلي للطرفين.
• السيرة النبوية: زواج النبي ﷺ بالسيدة عائشة رضي الله عنها في سن صغيرة كان في سياق اجتماعي مختلف. القياس على هذا الزواج دون مراعاة تغير الظروف يُعدّ قياسًا مع الفارق.

تنظيم التعدد:

• اشتراط العدل: قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (النساء: 3). إذا تعذر العدل، يصبح التقييد واجبًا لتحقيق مقاصد الشرع.
• صلاحيات ولي الأمر: أجاز الفقهاء لولي الأمر تقييد المباح بما يحقق المصلحة العامة. قال ابن القيم: “تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.”

المصلحة الشرعية:

• منع الاستغلال أو الإضرار بالقاصرات.
• تحقيق استقرار الأسرة في ظل تغيرات اجتماعية واقتصادية.

الوقفة الرابعة: مقاصد الشريعة كأساس للاجتهاد الشرعي

الشريعة الإسلامية ليست مجرد نصوص جامدة، بل هي منظومة ديناميكية تهدف إلى تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم. التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة تعكس اجتهادًا فقهيًا يستند إلى مقاصد الشريعة.

الأصول الفقهية:

• قاعدة “تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان”: أكد الفقهاء، وعلى رأسهم ابن القيم، أن الفتوى تتغير بما يحقق المصلحة ويتوافق مع تغير الأحوال.
• المصلحة المرسلة: أجاز الإمام مالك العمل بالمصلحة المرسلة إذا لم تصادم نصًا قطعيًا.

الخاتمة: اجتهاد شرعي نحو تعزيز استقرار الأسرة

التعديلات المقترحة ليست خروجًا عن الشريعة، بل هي استجابة لمتطلبات الواقع وتحديات العصر. الاجتهاد في هذه المسائل لا يُعد تحريفًا للنصوص الشرعية، بل هو تفعيل لمقاصدها في تحقيق العدل وحفظ الأسرة. النقد البناء لهذه التعديلات يجب أن يكون منطلقًا من فهم عميق للشريعة ومقاصدها، بعيدًا عن التشنج أو الجمود.

Share
  • Link copied
المقال التالي