يروج اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي الحديث عن الأخطاء السياسية للأستاذ زيان وموقفه من العديد من القضايا أثناء استوزاره لحقيبة حقوق الإنسان في عهد الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني، ومن ذلك موقفه من المناضل المغربي الكبير الشيوعي زعيم منظمة إلى الأمام إبراهام السرفاتي والذي كان معتقلا في تازمامرت وتم نفيه بعد ذلك بحجة أنه برازيلي الجنسية وليس مغربيا، وكان هذا الموقف هو الموقف الذي أكدته وزارة الداخلية وبرر به إدريس البصري قضية النفي، وفعلا لقد كان موقف الأستاذ زيان موقفا مخزنيا متخاذلا خاطئا مخالفا لقواعد حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا فالأستاذ زيان كان يعلم أنه يحمل الجنسية المغربية باعتبارها الجنسية الأصلية والتي لا تسقط باكتساب جنسية أخرى.
ولكن الأستاذ زيان لا يخفى عقيدته السياسية ولا يتبرأ منها وهو يعلن ليبراليته وإيديوبوجيته، فهو مؤسس الحزب الليبرالي المغربي، وتصريحه في مناسبات عديدة أنه أداة من أدوات المخزن كما عبر عن ذلك في أحد حواراته، ولكن مع ذلك يحسب له أنه كان واضحا وصادقا وصريحا أكثر من غيره، ممن يعلنون خلاف ما يسرون ويظهرون ما يضمرون، ويصرحون في كل المحافل أنهم ضد النظام وفي الخفاء يعقدون معه الصفقات، وليس ذلك عيبا فهو شأن السياسة والسياسيين، ولم يسلم منه أكبر المعارضين وأنقاهم تاريخا وأصفاهم يدا، وقد تتحكم في ذلك خلفيات تتمثل في مصلحة الوطن، أو الحزب أو هما معا، ومن ذلك كثير من التوافقات التاريخية على مستوى العالم بين اليمين واليسار مما أشار إليه المفكر الإيطالي كرامتشي، أو التحالف بين الستالينية والماوية، وبين النازية والاشتراكية وغيرها من التحالفات والتوافقات المحلية كحكومة الانتقال والتوافق الديمقراطي، والتي قبلت بالعمل مع عدوها اللدود إدريس البصري.
ويمكن القول في هذا المقام أن الأستاذ زيان السياسي رجل الدولة السابق لا يهمنا، لأنه أصبح من التاريخ، وهو ليس المستهدف حاليا بهذه الصفة، وتجذر الإشارة في هذا الباب أنه كان الوزير الوحيد في تاريخ المغرب السياسي الذي قدم استقالته للملك الراحل المغفور له الحسن الثاني، في وقت كان لا يجرؤ أحد غيره على مجرد التفكير في ذلك، كما ننوه في هذا الباب رغم اختلافنا معه في خطه السياسي والأيديولوجي إلى أنه كان له موقف شجاع حين قام بزيارة عبد السلام ياسين في منزله في وقت الحصار والإقامة الجبرية المفروضة من طرف وزارة الداخلية، ورغم ذلك فهو كان يمثل في حينه رؤية الدولة وتصورها، وبذلك فقد كان موقفه منسجما مع مبادئه السياسية التي تعتبر مواقف تسلطية، غير ديمقراطية.
ولكن ما يهمنا اليوم ليس هو زيان السياسي، وقد يكون قام بمراجعات، ولكن ما يهمنا هو الأستاذ زيان المحامي وهو بهذه الصفة هو المستهدف الآن في ظل هذه السياقات التاريخية في زمن وباء كورونا وما بعده، والذي دلت الوقائع على أنه هناك استهداف ممنهج لمهنة المحاماة ومحاولة تدجينها وتركيعها، لأنها قاومت في محطات كثيرة توجهات جناح متشدد داخل الدولة العميقة من خلال نظالها في العديد من القضايا ذات البعد السياسي، والتي شغلت الرأي العام الوطني والدولي، والتي أبانت من خلالها المحاماة عن دفاعها المستميت الصلب عن قيم الحرية بمفهومها الكوني، وعن دولة الحق والقانون وانخراطها في النضال من أجل إرساء الدولة الديمقراطية، ولهذا فليس مجديا شخصنة المشكل في الأستاذ زيان، فالقضية أبعد من ذلك، وتمتثل في محاولة لجم أفواه المحامين وإسكاتهم، ومعاقبتهم وتخويفهم. وبهذا يجب الانتباه إلى جوهر الصراع وليس إلى تمظهراته.
*محام بهيئة القنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )