مستملحات عديدة يتناقلها رواد التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات السريعة، تعكس علاقة الأبناء بآبائهم خلال هذه الفترة العصيبة، بفعل الأزمة الصحية التي تعيشها البلاد جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، وقرار المملكة بتوقيف الدراسة أولا وبعدها دخول مرحلة الحجر الصحي.
ما بين الدعوة إلى جمع الأبناء والأساتذة داخل الأقسام وفرض الحجر عليهم وقيام الآباء بالتواصل معهم عن بعد، وبين القول بأن الآباء سيتوصلون إلى لقاح لعلاج فيروس كورونا قبل العلماء، وأخرى يوصي فيها الأساتذة الآباء خيرا بالأبناء، فهم أمانة عندهم إلى حين استئناف الدراسة، كلها مستملحات تترجم الصعوبة التي أصبح يستشعرها الآباء في التعامل مع أولادهم في هذه الظرفية الاستثنائية، التي خرجت عن كل الضوابط والقواعد التي في العادة تضعها الأسر لتيسير الحياة اليومية.
فبفعل الضغط والتوتر الذي يعاني منه الجميع نتيجة التواتر الكبير للمعلومات والأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام والتواصل، والتي صارت جزء من المعيش اليومي للأسر، والإكراهات المتصلة بالتوفيق بين واجبات العمل عن بعد والانضباط للتدابير التي اتخذتها الدولة للوقاية من الفيروس ومتابعة الأبناء في دراستهم والتأكد من كونهم يواكبون ما تقدمه لهم مؤسساتهم التعليمية عبر منصاتها الالكترونية، كلها أعباء جعلت الآباء والأبناء معا في وضع لا يحسدون عليه.
وهو ما تؤكده أسماء، أم في العقد الرابع من عمرها لثلاثة أبناء، قائلة إنها “وجدت صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد، فروتينها اليومي الذي كان يبدأ كل صباح بإعداد الإفطار والوجبات المدرسية، لينطلق كل إلى وجهته، فيلتقي الجميع في المساء، تبادل للحديث حول ما عاشه كل فرد في يومه، والاطمئنان على أداء الأبناء لواجباتهم، لتنتهي بطعام العشاء ولجوء كل منهم لمخدعه في انتظار يوم جديد، كل هذه الطقوس لم تعقد قائمة اليوم”. تبوح أسماء، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “ما بين القيام بمهامي الموكلة إلى من طرف المؤسسة التي أعمل بها، والتي اختارت نظام العمل عن بعد منذ بداية الأزمة إيثارا لسلامة مستخدميها، وما بين متابعة ما تطرحه منصات التعليم عن بعد والتطبيقات التي اعتمدتها المدارس التي يدرس بها أبنائي، وأيضا متابعة المستجدات والحرص على التزام كل من في البيت بتدابير السلامة الصحية، ينصرم يومي، والأصعب أن تقنع الأبناء بضرورة المكوث في البيت وأداء الواجبات المدرسية”.
باختلاف مستوياتهم التعليمية، لم يستطع أبناء أسماء، تضيف، “التكيف مع الوضع الجديد، ويعيشون حالة من الخوف بفعل الأجواء العامة داخل البيت، فلا حديث إلا عن كورونا وتداعياتها”، حالة من عدم الاستقرار تحاول ، أحيانا تخطيها “بخلق جو من المرح، والقيام جميعا بمشاهدة مقاطع من أعمال كوميدية للترفيه عن أبنائي، وإخراجهم من حالة الخوف والتوجس”.
تعتقد أن الأطفال، بالخصوص، “في حاجة إلى مجهود تواصلي كبير، لتبسيط الأمر بالنسبة إليهم، وإقناعهم بأن المرحلة هي مرحلة عابرة، وتحتاج من الجميع التعاون والتضامن لتمر بسلام”.
وإذا كان يوم أسماء يمضي بين العمل والمكوث طويلا وراء شاشة الحاسوب، ومتابعة جديد الأبناء دراسيا، والاشتغال إلى جانبهم لتطمئن على أداء واجباتهم بالجدية المطلوبة، فرب الأسرة وجد في فترة العزل فرصة للمكوث فترة أطول داخل مكتبته، وإتمام البحوث التي تعذر عليه استكمالها بسبب ظروف العمل.
فبعد تلبية حاجيات المنزل، والوفاء بمتطلبات كل فرد من الأسرة، بانضباط تام للتدابير الاحترازية التي ما فتئت الدولة تدعو المواطنين للالتزام بها، يعود لمعانقة الكتب والدراسات التي يحتاجها لإتمام بحوثه الأكاديمية في مجال تخصصه.
وبنبرة مازحة تقول أسماء إنها “قد تكون مبالغة نوعا ما في الاحتياط، لكن وكما قال أسلافنا سلامة ولا ندامة”، مؤكدة أنه “رغم كل هذا، فإن هناك متسعا من الأمل، وفسحة ضوء”، فبالنسبة إليها “فترة الحجر هذه فرصة ثانية للتقرب من الأبناء ومنح روح جديدة للعلاقات معهم، والتي قد تخبو أحيانا بفعل ثقل الإكراهات اليومية للأب والأم معا”.
تعليقات الزوار ( 0 )