في لحظة صادمة ومفزعة، استفاق سكان مدينة بن أحمد على وقع خبر العثور على بقايا عظام بشرية داخل مسكن يُشتبه في أن صاحبه يعاني من اضطرابات عقلية حادة.
هذه الحادثة التي اهتز لها الرأي العام، لم تكن مجرد واقعة جنائية غريبة، بل فضحت بشكل صارخ الأعطاب البنيوية لمنظومة الصحة النفسية في المغرب، وأعادت إلى الواجهة سؤالاً مؤجلاً طالما تفادت الدولة مواجهته بجرأة ومسؤولية: كيف تحولت الصحة النفسية إلى قنبلة اجتماعية موقوتة في ظل الإهمال المؤسساتي؟
الحادثة التي دُوّنت في خانة “جرائم السفاحين”، لم تقع في فراغ. بل تنهل من سياق وطني مقلق يتّسم بغياب سياسة عمومية واضحة ومندمجة في مجال الصحة النفسية والعقلية، تُراعي التحولات الاجتماعية والنفسية المتسارعة التي تعرفها البلاد.
فتزايد الضغوط الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، وتفكك الروابط الأسرية، وانتشار الإدمان والتهميش… كلها عوامل تُغذي حالات الانهيار النفسي والذهني، وتضعف من قدرة الأفراد على التكيف والتوازن، في غياب تام للدعم المؤسساتي.
الوقائع المرعبة التي نُسبت إلى ما بات يُعرف إعلامياً بـ”سفاح بن أحمد”، يجب أن تُفهم في ضوء هذا الخلل العميق في تدبير ملف الصحة النفسية، لا باعتبارها حالة فردية شاذة فقط، بل كجُرح مفتوح ينزف بصمت في جسد المنظومة الصحية المغربية.
فعدد الأطباء النفسيين في المغرب لا يتجاوز بضع مئات، موزعين بشكل غير عادل بين الجهات، مما يجعل المناطق القروية وشبه الحضرية، مثل بن أحمد، في حكم “المنسيين” صحياً ونفسياً.
وحسب السؤال الكتابي الذي وجهه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، فإن واقع الصحة النفسية بالمغرب يعاني من هشاشة خطيرة، لا على مستوى الموارد البشرية فحسب، بل أيضاً من حيث البنيات التحتية وعدد الأسرة المخصصة للمرضى العقليين، ناهيك عن غياب آليات فعالة لتتبع الحالات المزمنة أو تلك التي تُشكّل خطراً على نفسها أو على المجتمع.
والأسئلة المشروعة التي طُرحت على وزير الصحة والحماية الاجتماعية، ما زالت تنتظر أجوبة رسمية. ومن ضمنها: كم عدد الأطباء النفسيين فعلياً؟ كيف يتم توزيعهم جغرافياً؟ ما هي المراكز المتخصصة في العلاج النفسي؟
وتساءل الفريق الاشتراكي، حول ما إذا كانت هناك سياسات لضمان استمرارية العلاج بعد خروج المرضى من المستشفيات؟ والأهم من ذلك: ما هي الإجراءات المستعجلة التي تنوي الوزارة اتخاذها لتفادي تكرار سيناريوهات مرعبة، كحادثة بن أحمد؟
تعليقات الزوار ( 0 )