Share
  • Link copied

غزل البنات لا يذوب دائمًا: حين يُربّت الخير على كتفك ثم يمضي

لم تكن مدينة الملاهي مساء ذلك اليوم سوى انعكاس مصغر لفوضى هذا العالم: صراخٌ في الأعلى، دورانٌ جنوني في الأسفل، وقلوبٌ تتأرجح بين الخوف والمتعة. كنتُ هناك، لا منجذبًا لتلك الأرجوحات التي تتلاعب بأحشاء البشر، بل فقط أنتظر، كما يفعل الحالِمون الذين لا مكان لهم في سكة الحديد، لكن قلوبهم تصطفُّ بمحاذاتها.

قبل أن ندخل مدينة الملاهي، همست لي بخفة وابتسامة خجولة:
“مابقيتش نشوف حلوى ديال الصوف (غزل البنات)، كنت باقي عاقلة ونا صغيرة، بابا كان ديما تيجيب ليا منو.”
كانت عيناها تلمعان بحنين جميل، وكأنها تستعيد لحظة طفولة لا تعوّض.

ما كان في جيبي لا يسمح برفاهية المبالغة. اشتريت واحدة، وتشبثت بها كطفلٍ يحتضن حلمًا هشًّا. كل ما أردته أن أُفاجئها، أن أكون تلك اللحظة الحلوة التي لم تكن تنتظرها، ثم تظل تتذكرها بعد أن تهدأ المراجيح.

لكن، كما قال دوستويفسكي يومًا:
“ما أجمل الحياة، لولا هذا المطر…”
وفي حالتي: ما أجمل الغزل، لولا هذه الريح.
هبت فجأة، كما تهب الخيبات دائمًا، لا وقت لها ولا استئذان.
ذاب الغزل شيئًا فشيئًا، وتحول إلى أثر لزج في راحة يدي، كأن الحلم قد انتحر فوق جلدي.

وقفت لحظتها ساكنًا. لم يكن الفقد فادحًا، لكنه كان موجعًا. فقدت لحظة صغيرة كنت أراهن فيها على سعادتي وسعادتها. وما أقسى أن تضطر لحسابات المال حين تكون النوايا من ذهب. وتمامًا حين كنت على وشك أن ألوم الريح… تربّت على كتفي يد. التفتُّ، وإذا بالشاب الذي باعني الغزل يقف أمامي، ويده ممدودة بغزل جديد، وابتسامة شاب لم يعتد البطولة ولا يسعى لها.

قال لي بلهجته البسيطة:
“خويا، شفت باللي ذاب ليك واقيلا كنتي باغيه تعطيه لشي حد، هاك هذا جديد من عندي”.
ثم مضى. لا طلب شكرًا، ولا انتظر إعجابًا. كأنه فقط فعل ما كان يجب أن يُفعل… ثم اختفى.

وأنا من هنا، أكتب له علنًا:
شكرًا لك، أيها الشاب الذي ربما لن أراك مرة أخرى. لقد منحتني أكثر من غزل البنات. منحتني لمحة نادرة من الإنسانية.

قد يذوب غزل البنات، فتفقد لذة الطفولة في لحظة، لكن تبقى الابتسامة التي تمنحها يد طيبة، هدية صغيرة تدوم في القلب. فالخير لا يزال حيًا في الناس، حتى قيام الساعة، وما علينا سوى أن نؤمن به، ونعطيه فرصة ليضيء دروبنا.

Share
  • Link copied
المقال التالي