أَغلق مكتب الاتصال الاسرائيلي بالرباط أبوابه في 2 نونبر سنة 2000، تنفيدا لقرار قطع العلاقات مع إسرائيل الذي كانت قد اتخذته السلطات المغربية في 23 أكتوبر، احتجاجا على الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان غادي غولان رئيس مكتب الاتصال آخر موظف إسرائيلي يغادر المغرب بعد أن شرع أول المواطنين الإسرائيليين في جمع حقائبه. وكان بالمكتب خمسة وعشرون موظفاً من بينهم 12 إسرائيليا.
صحيفة “جيروساليم بوست” الإسرائيلية، خصصت “بورتريه” لهذا الرجل الذي ولد بباريس سنة 1942، وقالت، إنه مع بلوغ اعتقال يهود فرنسا ذروته، سلمت والدته طفلها إلى أختها التي اختبأت، وعاش غادي وعمته ما تبقى من سنوات الحرب.
أما والديه فلقي حتفهما في معسكر أوشفيتز الألماني، وعندما كان عمره 18 عاما هاجر غولان إلى إسرائيل، حيث أمضى بضع سنوات في كيبوتس في النقب، وتزوج لاحقًا.
وفي نهاية الستينيات من القرن الماضي، أقامت وزارة الخارجية الإسرائيلية علاقات دبلوماسية مع مجموعة من الدول الأفريقية، لاسيما الناطقة بالفرنسية، وتم الإعلان عن منصب للمتحدثين بالفرنسية، وتقدم غولان بطلب وتم قبوله.
وفي سنة 1970 أرسل في أول مهمة وظيفية له إلى بوركينا فاسو، وهي دولة صغيرة غير ساحلية في غرب إفريقيا.
وشهدت مسيرته المهنية اللاحقة في السلك الدبلوماسي تعيينه في كندا ثم الكاميرون، حيث أصبح سفيراً بعد سنوات قليلة من الخدمة في سنة 1986، ثم تبعتها فترات في ساحل العاج ونيجيريا، وفي عام 1998 جاءت الدعوة لتمثيله إسرائيل في المغرب.
وكان هذا التمثيل الدبلوماسي غير مألوفا، ولا يعكس العلاقة بين البلدين، إذ أن المغرب لم يعترف قط بإسرائيل، ولذلك فإن العلاقات الدبلوماسية الرسمية لم تكن موجودة.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية، أنه لم تكن هناك سفارة اسرائيلية، وكان من المقرر أن يتولى غولان منصب القنصل ورئيس البعثة، وهو حل وسط دبلوماسي تم التوصل إليه قبل بضع سنوات.
وفي سنة 1961 تولى الحسن الثاني حكم المغرب بعد وفاة والده محمد الخامس، وأقام البلدان علاقة قوية تحت “الرادار”، خاصة في المجالات الاستخباراتية العسكرية والدعم السري، وفق تعبير الصحيفة.
ومهدت اتفاقية أوسلو الأولى لعام 1993، الطريق لاعتراف أكثر انفتاحًا بالتعاون المغربي الإسرائيلي، وهيمنت على وسائل الإعلام العالمية صور رئيس الوزراء إسحاق رابين وهو يصافح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، بحظور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.
ونتيجة لذلك، استشعر الحسن الثاني بأنه قادر على دعوة إسرائيل إلى المؤتمر الاقتصادي الكبير الذي ترأسه في الدار البيضاء في أكتوبر 1994، وانتهى المؤتمر بإعلان الملك ووزير الخارجية آنذاك شيمون بيريز انتهاء المقاطعة العربية لإسرائيل فعليًا.
ودعا إعلان الدار البيضاء الذي أصدره الحسن الثاني بعد المؤتمر، إلى شراكة بين الحكومة وقطاع الأعمال لتطوير اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعند وصول غولان إلى المغرب، وجد أن هناك جالية اليهودية، يبلغ تعدادها حوالي 2600 نسمة، أقل من واحد في المائة مما كانت عليه في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وفي سنة 1945، كان هناك حوالي 270 ألف يهودي يعيشون في المغرب، وكان عدد السكان يعادل ما كان عليه قبل الحرب، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الملك محمد الخامس رفض إطاعة أمر فرنسا الفيشية، والقوة الاستعمارية، باعتقال يهوده وترحيلهم.
وأبرزت الصحيفة، أن أعضاء الجالية اليهودية، خدموا التاج لفترة طويلة كوزراء ودبلوماسيين ومستشارين، وأخذ الملك محمد السادس دوره كأمير للمؤمنين على محمل الجد، حيث رأى أنه يشمل جميع “أهل الكتاب”، وأنه أمير جميع المؤمنين على اختلاف دياناتهم، وأنه الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية.
وحدثت الهجرة اليهودية اللاحقة من المغرب في عدة موجات، حيث هرب اليهود من المذابح المرتبطة بتأسيس إسرائيل في عام 1948 ومرة أخرى في عام 1954، وبعد أن حصل المغرب على استقلاله عن فرنسا سنة 1956، انزعجت الحكومة من نزيف سكانها اليهود، وفي عام 1959 أعلنت الصهيونية جريمة وحظرت الهجرة إلى إسرائيل.
وعقد مفاوضات سرية مع مسؤولين من الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين، بمشاركة رئيس خلية الموساد ألكس غاتمون، عبر اثنين من اليهود المغربيين، سمح بموجبها بهجرة يهود المغرب إلى “اسرائيل” عبر منظمة الدولية لتهجير اليهود، مقابل حصول المغرب على 50 دولار عن كل يهودي.
وعندما سُئل غولان عن الجالية اليهودية عندما تولى منصبه، قال إنه على الرغم من أعدادها المنخفضة، إلا أنها لم تكن منتهية الصلاحية.
وأضاف، أنه كان هناك نظام اجتماعي وتعليمي يهودي نابض بالحياة، كما يتذكر على وجه الخصوص، أن شبكة المدارس الحكومية اليهودية حققت معايير عالية لدرجة أن الآباء المسلمين تنافسوا على الأماكن فيها.
وكانت علاقات عمل غولان في المغرب إلى حد كبير، تنحصر مع القصر والمستشارين السياسيين للراحل الحسن الثاني، ولم يكن على اتصال بالحكومة أو الجيش.
ووصف غولان لحظة وفاة الحسن سنة 1999، بأنها “ضخمة”، وأن البلاد اهتزت حتى النخاع لوفاة الملك، وفي يوم الجنازة الملكية، بدا الأمر وكأن الأمة كلها قد خرجت إلى الشوارع.
وقالت الصحيفة، إنه من باب الصدف، تبع وفاة الحسن الثاني بعد فترة وجيزة للغاية، قطع العلاقة الهشة التي استمرت بين المغرب وإسرائيل لنحو 40 عامًا.
وفي 29 شتنبر 2000، قرر آرييل شارون زعيم الليكود آنذاك، في المعارضة، القيام بجولة رمزية في الحرم القدسي، وربما كان السبب الجذري للانتفاضة الثانية، فهذه التخمينات غير ذات صلة إلى حد كبير في ضوء التأثير في العالم العربي.
وكان غادي غولان أحد ضحايا هذا الغضب، حيث تلقى اتصالا هاتفيا من نائب وزير الخارجية المغربي، قال له إنه تقرر قطع العلاقات مع إسرائيل ، وأنه يجب أن يغادر البلاد.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية، أنه عادة ما تكون الفترة المخصصة لشخص غير مرغوب لمغادرة البلد هي ثلاثة أيام، لكن وعلى غير العادة، سأل الوزير غولان عن مقدار الوقت الذي يحتاجه، فطلب غولان 10 أيام، وتم منحه ذلك على الفور.
وعند وصوله في نهاية المطاف إلى المطار، وجد نفسه في صالة كبار الشخصيات في انتظار رحلته، ولم يكن من الممكن توضيح تردد المغرب في فقدانه، تردف الصحيفة.
وبخصوص انضمام المغرب مؤخرًا إلى اتفاقيات أبارهام، قال غولان “إنه فيما يتعلق بالمغرب، يشير تاريخ العلاقات بين البلدين إلى تطبيع العلاقات باعتباره تطوراً طبيعياً كان سيحدث عاجلاً أم آجلاً، وأن الأمر نفسه ينطبق على دول الخليج”.
ويرى غولان، أن هناك إرادة واضحة بين القادة السياسيين ورجال الأعمال المغاربة للتعاون الوثيق مع إسرائيل في مجموعة كاملة من المجالات بما في ذلك التكنولوجيا العالية والزراعة والطب والعلوم وكذلك الأمن.
وأوضح غولان “أن معارضة التطبيع بين العالم العربي وإسرائيل، تتمحور أساسا حول الجماعات الإسلامية المتطرفة العازمة على تحقيق أهداف دينية وليس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وفي وثيقة صدرت في شتنبر 2018، حلل المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية العلاقات الإسرائيلية المغربية بعمق، مشيرا إلى أن فترة الست سنوات بين 1994 و2000 – بما في ذلك فترة ولاية غولان في منصب القنصل، على أنها “طعم التعاون الذي كان من الممكن أن يكون”.
وأشارت الصحيفة ذاتها، إلى أن استئناف العلاقات الرسمية بين البلدين، إدى إلى تحويل هذا الأمل إلى حقيقة.
وأضافت، ربما استغرق الأمر وقتًا أطول من اللازم، بيد أن الفترة التي أمضاها غولان في تمثيل إسرائيل في المغرب في مطلع القرن قد أرست بلا شك الأساس لما يحدث أخيرا بالمغرب.
تعليقات الزوار ( 0 )