شارك المقال
  • تم النسخ

عَوْدَة البَشَرِية إِلَى المُنْطَلَقَات الصِّفْرِيَة

العَالَم يَبْدُو فارغًا وَ الدُّنيا أصبَحَت مُؤَجَّلَة بِدِفتَر ضَوابط إحْتِرَازِيَة عندما أَعْلَن فِيرُوس “كُورُونَا” حَرْبَهُ على البشرية واجْتَاحَ كُلّ الأَمكِنَة بِسُرعَة لَم يَتَوَقَّعها أَحَد، وأَرْغَم دُوَلًا للإعلان الشِّبْه/العَسكَرِي عن حالة الطوارئ وإغلاق الحدود و تَشْدِيد الرَّقَابَة وَ تَقيِيد الحَرَكَة وَإِغرَاق النفوس بالخوف الإِخْبَارِي والهَلَع الإِعلاَمِي والبَحث عن صاحِب البَرَكَة، فِيرُوس فَرَضَ علَيْنَا السَّلام بدون مُصَافَحَة وبِالخَيْرِ أُذْكُرُونَا إنَّه السَّيّد “كُورُونَا”.

فيروس مُسْتَجَدّ يُجِيد التِّرْحَال، ينتقل بدون تأشيرة أو تَفتِيش من الجمارك ولا يعترف بِمَنطِق الحدود والجغرافيا أو بِالمَكَانَة والصِّفَة الاجتماعية وَفِي سَابِقَةٍ هِيَ الأولى من نَوْعِهَا اسْتَطَاع إيقَاف هَدْر أموال موازين. عَدُوّ غَير مَرْئِي و مُنَاوِر بِامتِيَاز، حَلَّ بِشَكْلٍ مُفَاجِئ في البورصات وأدَّى حضوره الغَيْر مَرغُوب فيه إلى انهيار حادٍّ في أسهُمِهَا وهُبُوط أسعار النفط وإحدَاث صَدْمَة في الأسوَاق العَالَميّة وانخفاض معدل النمو إلى ما تحت الصِّفر.

والتجأ الإنسان كَرهاً إلى ممارسة الحجر الذاتي على نفسِه واللُّجُوء إلى الإعتقال الإنفرَادي والإحتياطي في مَسْكَنِه ومُستَقَرِّه لا فرق في ذالك بين الأحياء الهامشية والأحياء الراقية، إنها عدالة كورونا عندما يَمُرُّ من هُنَا. لقد أَعْلَن عن هُوِيَتِه: إنَّه المعالي كورونا (الجائِح والجَارِح)، أَتَى من العَالَم اللَّامُتَنَاهي في الصِّغَرِ لِيَتَفَقَّدَ ويَجتَاح العالم اللَّامُتناهي في الكِبَر بِكِبرِيائِه وجبروتِه وما يمتلِكُه من تقنيات دقيقة وتكنولوجيا فائقة تلتقط الأنفاس والحركات والسكنات على مدار الثواني واللحظات رغم الإستِرزَاق بالكَمَّامَات وخِطَاب القُمَامَات.

لقد قَام السيّد أعلاه بِفَضْح النظم الصحية والعلاجية وأبَان عن عجز السياسات الوقائية وضعف التدابير والإجراءات الاستراتيجية على مستوى حالات الطوارئ في معظم الدول الغربية والشرقية بهدف محاصرتِه والسيطرة عليه.

لِحُسنِ حَظِّه لَم يُصَنَّف في لائِحَة الإرهاب الصَّادِرَة عن وزارة الخارجية الأمريكية رغم كثرة الضحايا العَابِرِين للحدود، إلَّا أَنَّه يُصَنَّف جميل في شكلِه، قبيح في وظيفته و صَادِق في معركته ومواجهته لأننا نحن من أوجَدنَاه واستدعَيناه وقُمْنَا باستفزَازِه. اليوم لا وجود لِقنَوات التفاوض والمقايضة والمساومَة مع هذا الوافد إلينا بدون إعلان أو دعوة مسبَّقة لا مَلجَأ اليوم للبشرية مِنْه إلاّ إلى توظِيف القُوَّة الضَّارِبة للمختبرات العلمية ودور الأبحاث والدراسات المجهرية وللعقول النابغة في العلوم الدقيقة (Hard-Skills) وليس للتنشيط وثقافة المهرجانات والمواسيم والمناظرات الفلكلوية والسياسات الترقيعية في المجالات الحيوية.

الغرِيب هُوَ أَنَّه أمام كل حدث مفصلي في تاريخ الإنسانية تطفو على السطح كائنات انتهازية تُجِيد الإسثتمار في الأوضاع والمآسي الإنسانية والعبث بالأرواح كأنها في منأى عن الضربات القاسية للفيروس.

باحثة إسبانية في علم الأحياء قالت قَوْلاً ثقيلاً سيذكُره التاريخ ما بعد كورونا: “تمنحون لاعب كرة القدم مليون أورو وباحث في البيولوجيا 1300 أورو…اذهبو إلى رونالدو وميسي كَي يَجِد لَكُم العلاج أمام هذا الجائح الذي لاَ يُبْقي ولاَ يَذر”.

وقال أحد المغاربة قَوْلاً غليظاً يعكس حقيقة أنَّ الطب لدينا استثمار وليس إنسانية: “المواطنة الحقيقية تقتضي في حالة التعبئة الوطنية وَضَع المِصَحَّات الخصوصية وأطباء القطاع الخاص رهن إشارة الدولة وتقديم خدمات بالمجان للشعب المغربي في مواجهة كورونا ويَمكُرون ويمكُر الله والله خير الماكرين.

وقالت سيِّدَة كريمة متقاعدة في مجال التعليم أن ما أخفَقَت في تحقيقه الإصلاحات البيداغوجية على مستوى التربية على النظافة استطاع “المُصلِح كُورونا” أن يُلَقِنَّه للإنس والجن في مرحلَة زَمَنِيَة وجيزَة، أَضِف إلى ذالك اكتساب مَهَارة التسليم والسلام عن بُعْد تَيَمُّناً بالتعليم البعيد عن بُعْد. في هذا الصَّدد وَبِإسم التعبئة الوطنية وَجَب على شركات الإتِّصَالات المغربية الثلاثة وَضْع شبكة الأنترنيت رَهن إشارة التلاميذ والطلبة بالمجَّان.

وقال آخر قَوْلاً صريحًا وأصيلًا وأثَار بِمَرَارة هامِشيّة العلم وهشاشَة البنيات في مساراتنا بَدءاً بِ: انعِزَاليَة المُعتَزِلَة، مِحنَة الفلاسفة، ضياع فِكر النابغة ابن خلدون، التهميش والإنتقائية في الأبحاث الأساسية والتطبيقية، هجرة الأدمغة واغتيال العقول الدامغة، ضياع اللحظات التاريخية وعدم مراكمة المنتجات المعرفية.

للتّاريخ فقط فإنّ ما عَجَزَت الأجهزة النقابية عن فِعلِه اتُّجَاه العَبَث بالهندسة البيداغوجية في ظل التنشيط الجامعي وسيادة ما يسمى بالمهارات الناعمة استطاع المناضل كورونا أن يُثبِتَه ويُحقِّقه بِالوَجَع والألَم الملموس: ” هو أن أيَّة منظومة إصلاح لا يرتفع واقِعُها إلا بِمُسَاءَلة وضعية البحث العلمي ومُخرَجاتِه وبنيات الإنتاج المعرفي واجتراح أدوات التحليل والتركيب والاستثمار في المشاريع الاستراتيجية وصناعة الكفاءات وبناء المحيط والمؤسسات والأهمّ هو الإستعداد لمُوَاجَهة أحفاد كورونا مستقبلاً وهذا حَتْماً لا يَتِمّ بِأُطرُوحَة الأضحوكة والهندسة المفقودة والضوابط الموعودة.

المؤكّد اليوم هو أن بَوصَلة الخوف غيَّرَت مِن وِجْهَتِها والتي انتَقَلَت من حَالَة الرُّعب والخوف من الأجهزة والأنظمة القمعية إلى حالة الذعر والهلع من الطَّاغية كورونا.

إنَّه زمَن «Soft-Skills» ومهارة اللَّاخَوف من قسَاوَة فيروس «كُوفِيد-19» وما أدراك ما رقم 19 فِي ثقافتنا اليومية والأمنية، رَقْمٌ قد يُفِيد في اعتقال المُجرم “كُوفيد”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي