بملامح شاحبة، تحمل من الحزن الكثير، استقبل أحد المواطنين، ردّ بائع المواشي حين أجابه عن سؤال ثمن أحد الخرفان، الذي فاق الـ 2000 درهم، رغم صغر حجمه، وكثافة صوفه، وقصر قرونه. وبحمله لمعرفة مدى ثقله أقسم أحد الحاضرين على أن ثمنه في السنة الماضية لم يكن يتعدى الـ 1200 درهما، على الأكثر.
المواطن الذي يدعى محمد، وهو اسم مستعار، تغير لونه بعد سماع السعر، فلم يكن يحمل معه إلا 1250 درهما، على أمل أن يجد خروفاً مناسبا لأسرة مكونة من ستة أشخاص، زاد ماشيا مطئطئاً رأسه، قبل أن يرعفه بعد أمتار، ليرى يمينا وشمالاً في الخرفان المتواجدة في السوق، علّه يجد ضالّته التي ينتظرها الأطفال.
عيد الأغنياء!
“عيد للأغنياء فقط”، يقول محمد في حديثه لـ”بناصا”، قبل أن يضيف أنه “لم يسبق لي أن رأيت الأسعار وقد وصلت إلى هذا الحد. ارتفعت الأثمنة وتراجعت في السنوات الماضية، ولكنها لم تصل نهائيا إلى المرحلة التي باتت عليها الآن، فكيف يعقل أن خرفاناً صغيرة جداً، لم يتعد سعرها في السنة الفارطة الـ 1000، باتت تصل لـ 2000 وتزيد.
لم يكن يتوقع أن تبقى الأسعار مرتفعة، لذا، ترك محمد الأمور لآخر الأيام، وهو الذي حاول جمع بعض النقود لهذه اللحظة، لم يضرب أي حساب للكارثة التي تشهدها الأثمنة، حيث يرى بأن “يوم الثلاثاء، وهو آخر الأيام قبل العيد، قد عرف انخفاضا في الأسعار، من أجل أن يتمكن من شراء أضحية يسعد بها صغاره الذين ينتظرون بلهفة”.
تراجع طفيف قبل العيد ولكن!
في جولة لـ”بناصا”، بالسوق الأسبوعي بمدينة زايو، إقليم الناظور، الذي بات يمتلئ مؤخرا بالماشية مع اقتراب العيد، وقفت على ارتفاع كبير في الأسعار بشكل عامّ، مع وجود تحسّن طفيف في الأسبوع الأخير، إلا أن هذا التراجع لم يصل بعد إلى المستوى الذي يطمح له فقراء البلاد، الذين تراهم يزورون السوق يوميا، دون أن يشتروا شيئاً، يزورونه على أمل أن “يصطادوا همزةً”، لكن بدون جدوى.
بالرغم من الحرارة الشديدة التي تشهدها المدينة، إلا أن حسن، دأب على المجيء إلى السوق للبحث عن خروف بثمن مناسب، فمنذ أسبوع وهو يداوم على التسلل بين تجمعات “الكسابة”، يمشي بين الخرفان، يسأل الجميع، ولا يبرح المكان إلا بعد أن يعيق العرق المتصبب بغزارة من على جبينه، نظره، ويعجز عن العثور على هدفه.
ماعز أو نعجة للإنقاذ!
بعد بحث طويل لأزيد من أسبوع، استسلم حسن للقدر المحتوم، واعترف في حديث لـ”بناصا”، بأن الوضع لا يتطلب شراء خروف، لأنه وصل لأسعار مرتفعة جداً، مع حجم صغير، لذا قرر أن يلجأ للماعز، باعتبار أنه أرخص في السعر، وأكبر بالمقارنة مع الخرفان التي لها نفس السعر، فيما اختار آخرون شراء نعجة، التي ينطبق عليها أيضا ما يتعلق بـ”العنزي”.
وذكر حسن، أن ماعزاً بـ 900 درهما، له نفس حجم خروف يمكن شرائه بـ 2000، كما أن نعجة بسعر لا يتعدى الـ 1200 ستكون بنفس وزن خروف قد يتعدى ثمنه الـ 2200، لهذا السبب، فقد اختار العديد من الناس، خصوصاً الفقراء، التوجه لشراء نعجة أو ماعز، لتجنب البقاء من دون أضحية، فيما كان للمحسنين دور كبير في الوقوف مع عدة أشخاص لم يجدوا أضاحٍ.
عدة أسر ظلت تنتظر ما يجود به القدر، لا تملك ثمن الأضحية، وسط انتشار الأحزان وسط الأطفال، الذين عملت عدة أمهات معوزات وأرامل على إبقاهم بعيدين عن بقية الصغار، ممن يعتبر وضعهم ميسوراً، لكي يتجنبوا سماح أخبار العيد والأضحية، ويتفادوا سؤال: “هل اشتريتم كبش العيد؟”، حفاظاً على مشاعرهم من أن تمسّ.
االمحسنون يطردون الأحزان وينشرون الأفراح
وسط تخييم الحزن على بيوت الفقراء والمعوزين، ظهرت عدة جمعيات فاعلة في الجمتمع المدني بزايو، سارعت منذ فترة لجمع التبرعات من المحسنين، استعداداً للمناسبة، قبل أن تقوم بشراء عدة أضاحي، وتوزّعها على الأسر التي لم تجد ثمن الشراء، وتزيل ظلمة الكرم التي غطّت الأرجاء، وتغيرها بفرحة، مضاعفة على وجوه الأطفال.
“عيد لم يكن كالأعياد التي سبقت، حتى بالنسبة للجمعيات الخيرية، التي اشترت أضاحي أقلّ بسبب ارتفاع الأسعار، غير أن تضافر الجهود، ووقوف العديد من المحسنين في الخفاء لضمان ألا يبقى أي شخص من دون أضحية سيدخل الفرحة على أكبر عدد من الفقراء”، يقول عبد الله، وهو اسم مستعار لفاعل جمعوي رفض ذكر اسمه.
تعليقات الزوار ( 0 )