شارك المقال
  • تم النسخ

علي الإدريسي يكتب: عرب أطاعوا أهواءهم وصحّروا واحاتهم!!!

يُنسب إلى عبد الرحمان المجذوب أنه قال: “كل ما ياتيك من الشرق مليح، غير بنادم والريح”. تذكرت هذا القولة، أو المثل، وأنا أتابع الدور التخريبي الذي يمارسه النظامان الإماراتي والسعودي لتدمير مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ ابتداء من تسليم فلسطين لإسرائيل الصهاينة، وأنكار انتساب الفلسطينيين وانتمائهم الى وطنهم حين نزعوا عنهم هويتهم الوطنية، باعتبارهم مجرد عرب، مثلهم كمثل أولئك الذين تسميهم أنظمة خليجية “البدون”. وتمارس الإمارات والسعودية تأييد إسرائيل ومعاداة الفلسطينيين دون حياء أو خجل، وينعكس في مواقفهما الدبلوماسية، وتروج له صحافتهما وقنواتهما الإعلامية، وحتى مسلسلاتهما التلفزيونية.

ولم تتوانَ الإمارات في دعم بشار الأسد، جزار الشعب السوري، الذي تُقَدّر ضحاياه بأزيد من نصف مليون سوري، بينهم حوالي 12000 طفل؛ أما النازحون إلى الداخل السوري فيقدرون بـ 6 ملايين و6 مئة ألف نازح، في الوقت الذي تجاوز فيه عدد اللاجئين السوريين في العالم بسبب مجازر نظام الأسد بأكثر من 5 ملايين و 6 مئة ألف سوري. ومبرر الإمارات في مساعدة الأسد لكونه يشترك معها في القضاء على أعدائها “الإخوان المسلمون”. وهو المبرر نفسه الذي سوغت به دعمها ومساندتها المطلقة لسلطة الجنرال السيسي الدكتاتوري في مصر، وكذا دعم الانفصاليين في جنوب اليمن، بدعوى أن الحكومة اليمنية الشرعية مسنودة من حزب الإصلاح اليمني، وهو حزب إخواني إرهابي بالنسبة إليها. والادعاء نفسه تسوغ به دعمها الحربي والمالي للجنرال الليبي حفتر ضد الحكومة الليبية المنبثقة عن اتفاق الصخيرات والمعترف بها دوليا، بصفتها الحكومة الشرعية. وكانت الإمارات والسعودية ومصر السيسي قد أعلنوا حصار قطر منذ حوالي ثلاث سنوات، بدعوي مساندتها للإخوان المسلمين. ومعلوم أن السعودية ومصر تَعُدان منظمة “الإخوان” منظمة إرهابية مثل الإمارات.

ويعلم الكثير من المغاربة أن الإمارات صرفت أموالا باهظة في المغرب من أجل إبعاد حزب العدالة والتنمية عن الحكم، ولم تكن تخفي ذلك أبدا، وتزعم أن الملك يقف إلى جانبها في الموضوع، وتشيع أنها قدمت هدية للملك عبارة عن طائرة فخمة. ونسيت أن الأعراف السياسية في المغرب تقوم على أن الملك هو ملك للمغاربة جميعا. ومهما تكن علاقته بالآخرين فإن مصلحة المغرب وأمنه وسلمه فوق كل اعتبار.

زاد حنق الإمارات على المغرب حين احتضن مفاوضات اتفاق الصخيرات الدولي بشأن الحل السياسي في ليبيا، واعترافه بحكومة الوفاق المنبثقة عنه حكومة شرعية وحيدة في دولة ليبيا، وحين لم يساير خطط المحاصِرين لقطر، بل أن المغرب قدم مساعدات للشعب القطري المحاصر، وقام الملك محمد السادس بزيارة قطر لاحقا. ثم قام المغرب بمراجعة علاقته مع “التحالف السعودي الإماراتي”، بعد أن تيقن بأنه تحالف لتدمير اليمن وليس لتحريره.

إن وليّيْ عهد الإمارات والسعودية اعتقدا أنهما بأموالهما يستطيعان أن ينصِّبا الحكومات في العالم العربي وفق أهوائهما؛ وإلاّ فإنهما سيعملان على إسقاط كل الحكومات غير المتوافقة مع مزاجهما ورغباتهما وغرورهما أيضا، وأنهما قادران على أن يلجآ إلى إثارة القلاقل والفتن فيها بأموال بترول شعوب شبه جزيرة العرب، أو إلي إشعال الحروب الأهلية فيها مع دعم معسكر الدكتاتوريين؛ وأن لديهما الوسائل الكافية والقدرة على تشويه صورة من يخالف أهوائهما. وكان “نصيب” تشويه صورة المغرب هو التشهير بأخلاق نسائه ومعاش شعبه. ولم يكن ذلك “النصيب” إلاّ ما ظهر من الثلث الخالي في نظامي الإمارات وآل سعود.

وأعتقد بأن “الابنين”، بن زيد وبن سلمان، لم يستوعبا قول عيسى عليه السلام: “من كان بلا خطيئة فليرجمها بحجر”. وننوه بأن من كانت نساؤه بلا خطيئة، ورجاله أتقياء انقياء، فليرجم المغاربة حتى بالصواريخ المقتنية بأموال البترول وليس بالذباب الإلكتروني فقط. ومن كان معاش شعبه رغدا بفضل عمل أولياء أموره، وبخططهم الاقتصادية الأصيلة وذات المصداقية، كان له الحق أن يتباها على غيره، أما أن يكون مجرد زبون لمواخير الحضارة، أو أحدا من مغامري علب لاس فيغاس أو كباريهات أزقة الأهرام، فجدير به أن يلتحق بدون كيخوط (كيشوط) دو لا مانشا لمحاربة الطواحين.

نعم، استطاعت الإمارات ومعها السعودية أن تدجن مصر، وما أدراك وما مصر التاريخ التي كادت ذات يوم، من تاريخ زمنها الديمقراطي، أن تكون دولة قاطرة في الشرق الأوسط، فأمست اليوم مجرد عربة متهالكة تُجر بحبال الإمارات والسعودية المهترئة، فاسحة مجال الريادة لإسرائيل وإيران وتركيا في المنطقة. ويحاول اليوم نظاما الإمارات والسعودية أن يُخرِّبا ويدمرا ما تبقى من مكانة لباقي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهل عاد زمن الأعراب؟

هذه هي الإمارات والسعودية اليوم تأتمر بإمرة الابنين بنوازعهما غير السوية، وبأفكارهما التخريبية. فلا نملك إلا الترحم على الشيخ زيد آل نهيان وعلى ملوك السعودية الذين كانوا يتميزون بالحكمة وبعد النظر السياسي.

وأجد نفسي في خاتمة هذا المقال أطرح على ولِيّيْ عهد الإمارات والسعودية سؤالا مماثلا لذلك الذي طرحه العالِم الرياضي العراقي، المرحوم سالم عبد الله، على الخليجيين، الذين ازدروا وطنه الجريح، سائلا إياهم: “ماذا يساوي خليجكم إذا نقص نفطه؟؟؟؟؟ وأطرح من جانبي استفهاما مماثلا على أولئك الذين يهينون المغرب وشعبه وشعوب المنطقة: كيف ستكون أهواؤكم وسلطاتكم بعد أن تتهاوي أسعار البترول؟؟؟؟؟

أستدرك فأقول: إن من اغتر بكثرة ماله تسطح فكره، وتصحّر عقله، فهو ليس بحاجة إلى بوصلة لتوصله إلى شاطئ التحضّر، لأنه لا بحر له.

*مفكر مغربي ودبلوماسي سابق

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي