شارك المقال
  • تم النسخ

على هامش الزلزال

ملاحظة ربما غاب عن كثيرين تسجيلها، على هامش الزلزال المدمر، الذي ضرب مؤخرا منطقة واسعة من المغرب العميق.

ربما يستغرب البعض أن الصور التي تناقلتها وسائل إعلام أجنبية -وليس مغربية حتى نشكك في مصداقيتها- لمنكوبين وهم في العراء، أو تحت ما يشبه الخيام، لا يبدو على وجوههم أثر الكارثة، بل إن بعضهم ربما يبتسم وهو يخاطب مراسلي الفضائيات، ناهيك عن انهماك النساء في إعداد الوجبات وكأن الأمر يتعلق بمخيم صيفي أو نزهة، وليس بضحايا كارثة طبيعية.

الملاحظة التي نود تسجيلها هنا، تعليقا على هذه المشاهد، ترتبط بفرق جوهري بين مغرب الواجهة، والمغرب العميق.. بين المغرب النافع المنتفع، وبين المغرب غير النافع وغير المنتفع.

فالناس في هذه الربوع، عندما فتح لهم المجال للحديث عن احتياجاتهم، بعد زلزال مدمر، رأينا أنها -في الأعم الأغلب- كانت بسيطة وفي الحد الأدنى، رغم أنهم فقدوا كل شيء.

وأنا على يقين -وبحكم التجربة- من أنه بعد أن يتراجع الاهتمام بهذه الكارثة، سيجد ضحاياها أنفسهم وحيدين في مواجهة آثارها، وسيعملون وحدهم على إعادة بناء ما دمره الزلزال.

باختصار شديد، سقف مطالبهم بسيط، جدا لأنهم تعلموا ألا ينتظروا شيئا من “الدولة”.

و”الدولة” هنا لها مفهوم مغربي مطاط جدا، فهي تشمل الإدارة بمعناها الواسع، والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.. إلخ..

على سبيل المثال، لقد كانت أكبر مشكلة واجهت فرق الإنقاذ، هي انعدام الشبكة الطرقية في هذه المناطق.

فـ”الدولة” لم تر جدوى أصلا في تهيئة مسالك بهذه الربوع المنسية، رغم أنها من “المزارات” السياحية المشهورة عالميا، وتساهم في تعزيز مداخيل هذا القطاع، وكان مفروضا أن يتم تخصيص، ولو جزء يسير من هذه العائدات، لتأهيل البنية التحتية، ولو في الحد الأدنى.

ولإدراك الأبعاد الحقيقية لهذه الملاحظة العابرة، لنتخيل لو أن هذا الزلزال ضرب -لا قدر الله- حاضرة من حواضر المغرب النافع، فالأكيد، اننا كنا سنرى -حتما- كثيرا من العويل والانتقاد الحاد لـ”الدولة” على تقصيرها، بل ومطالب مبكرة بخصوص إعادة الإعمار، وتعويض المتضررين.. وذلك -ببساطة شديدة- لأن الناس في هذه الربوع اعتادوا على حضور “الدولة” في كل زمان ومكان .. وبكرم مبالغ فيه أحيانا.

بل لقد كان متوقعا ربما حتى حدوث أعمال نهب وشغب، تؤدي إلى إنهاك الأجهزة الأمنية في لحظة حرجة تتطلب الهدوء والتركيز على إنقاذ الأرواح وإسعاف الجرحى.

إن هذه الملاحظة تثير في الواقع، سؤالا أعمق وأكثر أهمية، يتعلق بمفهوم “التنمية” عند صناع القرار في مختلف المرافق والقطاعات، وعلى كافة المستويات.

فهل تعني التنمية توفير الحد الأدنى من الخدمات للمواطن، خاصة ما يرتبط بالبنيات التحتية التي لا غنى عنها في الظروف العادية، فما بالك بالحالات الاستثنائية؟ أم تعني فقط بيع الكلام، والرهان على صبر المواطن المهموم أصلا بصراع البحث عن الخبز اليومي، الذي يجعل بقية الحقوق الأساسية من تعليم وصحة.. ترفا لا يتطلع إليه أصلا؟

لننتظر ونر هل تغير شيء فعلا.. أم أن الطبع سيغلب التطبع؟

الزمن كشاف في كل حال..

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي