إذا كان مئات المهاجرين يختارون طريق البحر عبر قوارب الموت للوصول إلى “الفردوس الأوربي”، فإن آخرين يفضلون طريق البلقان لتحقيق حلمهم ببلوغ الجنة الأوربية متحملين الكثير من المشاق والمتاعب، إذ تدوم الرحلة لأشهر وقد تنتهي بالموت بردا أو جوعا أو في سجون إحدى الدول التي يتم عبور أراضيها قبل دخول أوربا الغربية التي ينجح بعضهم الآخر في بلوغها سالمين غانمين.
في هذا الرحلة الطويلة والشاقة سنسافر مع شبان من أعماق الجنوب الشرقي للمغرب ونقتفي آثارهم صوب القارة العجوز، شبان اختاروا آخر الطرق لتحقيق حلمهم بالوصول إلى الضفة الأخرى للمتوسط.
من إغيل نومكون بإقليم تنغير كانت الانطلاقة
شاءت الأقدار أن ينحدر نور الدين ورفيقه عيسى من نفس بلدة الناشط الأمازيغي رشيد المستور الذي أثار موته غرقا في شواطئ ليبيا قبل سنوات جدلا واسعا بينما كان يحاول الهجرة إلى إيطاليا، خاصة بعد انتشار رسالة الوداع المؤثرة التي تركها على حسابه الفايسبوكي والتي تداولتها الكثير من المواقع والنشطاء الذين تعالت أصواتهم مطالبة بنقل جثمانه إلى مسقط رأسه وراء جبال إغيل نمكون بإقليم تنغير.
“منذ مدة وأنا أفكر في طريقة للهجرة إلى الضفة الأخرى، وفي الوقت الذي عزمت فيه على ذلك سنة 2020 جاءت جائحة كورونا فأفشلت كل مخططاتي”، يقول نور الدين الذي كان يعمل سائق جرافة قبل أن يأخذ وجهة تركيا للعبور نحو أوربا.
من النظري في اليوتوب إلى التطبيقي نحو تركيا
إذا كان لكل واحد هدف من مشاهدة اليوتوب كتعلم لغة جديدة أو للترفيه أو لتنمية ثقافته العامة، فإن نور الدين ورغم إدمانه على مشاهدة فيديوهات اليوتوب منذ 2019 لم يكن شيء من ذلك يشغل باله، بل كان كل همه تتبع آثار المهاجرين المغاربة الذين التحقوا بأوربا عبر البلقان والذين سجلوا تجاربهم على هذا الموقع.
“وصلنا تركيا يوم 28 يونيو 2021 حوالي الواحدة بعد منتصف الليل وهناك أمضينا أول ليلة خارج أرض الوطن في ميدان تقسيم الشهير الذي انتقلنا إليه بالحافلة من مطار إسطنبول.
بتنا ليلتنا في ميدان تقسيم، افترشنا الأرض والتحفنا السماء لأن الفنادق غالية جدا، إلا أنه في اليوم الموالي وجدنا سكنا شبابيا بأربعين أورو فقط للشهر.
قضينا 13 يوما في أم الإمبراطورية العثمانية، حيث المعيشة رخيصة كالمغرب أو أقل، وقد ساعد على ذلك أننا وجدنا الليرة التركية في أقسى وأقصى هبوط لها.
طيلة مقامنا في بلد أتاتورك كنا نقضي اليوم كله في التخطيط لما هو قادم بمشاهدة المزيد من الفيديوهات حول المسار إلى أوربا الغربية”، يتابع نور الدين ساردا البدايات الأولى لمغامرته التي ستطول لأشهر.
ليلة الهروب نحو اليونان ومنها إلى بلغاريا
يمضي نور الدين راويا “رحلته البطوطية” في اتجاه أوربا الغربية قائلا؛” في الليلة الموعودة قطعنا الحدود التركية اليونانية، حيث لم نصادف شرطة ولا عسكرا، كنا نمشي ليلا وننام نهارا وسط الغابة، لقد قلبنا الآية؛ فجعلنا الليل حركة والنهار سكونا ونوما”.
ليردف رفيقه عيسى متحدثا عن هذه التجربة؛ “تركنا جميع وثائقنا الثبوتية في تركيا عند شخص تعرفنا عليه هناك، لأن أصحاب تجارب سابقة أخبرونا بأن الداخل إلى اليونان مفقود والخارج منه نحو بلغاريا مولود، وما ذلك إلا بسبب تعامل الشرطة اليونانية القاسي مع المهاجرين والذي يصل أحيانا حد التعذيب الجسدي المفضي إلى الموت وفي أحسن الأحوال التجريد من كل شيء؛ من الجواز والنقود والهاتف لترجعك بعدها شبه عار إلى تركيا”.
بعد أربع ليال من المشي والمجازفة التي لا تفي الكلمات بوصفها في الأراضي اليونانية، وجد نور الدين ورفاقه أنفسهم في بلغاريا، وهناك سيكون فصل آخر من فصول هذه المغامرة.
الواصل إلى بلغاريا مولود
يعتبر جل المهاجرين في البلقان مرحلة اليونان أصعب المراحل ضمن مسارهم نحو أوربا الغربية، ولا تقل صعوبة المرور عبرها عن صعوبة دخول كرواتيا عن طريق البوسنة، بالنظر إلى المراقبة والحراسة المشددتين على الحدود والمهاجرين في هذين البلدين وخاصة في اليونان، وبالنظر كذلك إلى قسوة المعاملة التي تصل حد التعذيب الجسدي التي يتعرضون لها(كما سلف)، لكن لحسن حظ نور الدين ومعه رفاقه أنهم اجتازوا تلك المرحلة بنجاح ووصلوا كما تقدم إلى بلغاريا بعد أربع ليالي من المشي في الأراضي اليونانية، فكانت أول مدينة تطأها أقدامهم في هذه الدولة هي Harmanli التي عند مدخلها استغلوا وجود سقاية للماء للاغتسال وتغيير ملابسهم المتسخة بالأوحال حتى لا يفتضح أمرهم و”حتى يصيروا كباقي البشر”، قبل التوجه إلى محطة القطار للتنقل باتجاه العاصمة صوفيا.
في القطار وعلى بعد حوالي 78 كيلومترا من العاصمة البلغارية، سيلقى عليهم القبض وسيقضون 26 يوما في السجن، فيها حجر صحي، تسلموا بعدها من السلطات البلغارية وثيقة للتنقل يطلق عليها المهاجرون اسم”الخرطية”، تسمح لهم بالتجول في جميع أنحاء بلغاريا قبل إيداعهم في مأوى للمهاجرين يسمونه”الكامب المفتوح”.
“وصلنا بلغاريا ولم يبق في جيبنا أورو واحد، لقد تمكنت شخصيا من بلوغها ب200 أورو منذ انطلاقتي من الدار البيضاء مرورا بتركيا التي قضينا فيها 13 يوما وأربع ليال في اليونان.
لحسن حظنا أننا كنا نأكل وننام في “الكامب المفتوح” وإلا لقضينا جوعا.
ذات يوم أرشدنا بعض المغاربة السابقين إلى بلغاريا إلى القنصلية المغربية التي سلمت كل واحد منا 25 أورو اشترينا بها بعض المستلزمات”، يعلق نور الدين على مقامهم في بلغاريا.
كان على نور الدين ورفاقه أن يدبروا طريقة للتوصل بالأموال من أقاربهم في المغرب لاستكمال المشوار، ولأن “من يسأل لا يضل” على حد تعبير المثل الأمازيغي، فقد دلهم من سبقوهم إلى هناك، أنه بإمكانهم الاعتماد على أحد السوريين الحاصلين على الجنسية البلغارية لترسل الأموال باسمه، وطبعا فهذه الخدمة ليست مجانية، بل مقابل كل 100 أورو يأخذ السوري خمسة أورو.
وكذلك كان، توصل نور الدين بمئتي أورو كان نصيب السوري منها 10 أورو مكنته من مواصلة مغامرته نحو صربيا.
السجن، الترحيل، طلب اللجوء.. أحلاهم مر
في بلغاريا يخير المهاجر المغربي بين السجن لعام وستة أشهر يحصل بعدها على رخصة إقامة لخمس سنوات أو الترحيل إلى المغرب أو طلب اللجوء الإنساني.
يفضل المهاجرون المغاربة المقيمون في بلغاريا بشكل غير شرعي طلب اللجوء الإنساني وإن كانوا يعلمون مسبقا بأنه سيقابل بالرفض، باعتبار أن المغرب لا يعيش حالة حرب على عكس السوريين والفلسطينيين والأفغان الذين يستفيدون منه بسرعة.
يقول نور الدين؛ “نلجأ إلى حيلة بصم اللجوء الإنساني مكرهين إخوتك لا أبطال؛ أولا لأننا نعرف أن كل الخيارات مرة سواء السجن أو الترحيل، وثانيا لأن هدفنا أصلا ليس هو بلغاريا، بل نفعل ذلك لأخذ النفس والتخطيط لما تبقى من رحلتنا الطويلة، إذ نستغل المدة المطلوبة لصدور قرار المحكمة الذي نعرف سلفا بأنه سيكون هو الرفض لتسلم وثيقة التنقل بكل حرية في بلغاريا والاستفادة من الإيواء والأكل في الكامب المفتوح قبل الفرار إلى وجهتنا الموالية؛ صربيا”.
على الحدود الصربية الهنغارية.. التطواني”ملاك الرحمة”
على الحدود الصربية الهنغارية يقيم مغربي معروف باسم التطواني يقوم بتهريب المهاجرين الراغبين بعبور السياج الحدودي الفاصل بين صربيا وجارتها هنغاريا، وذلك بتوفير سلالم لصعود السياج.
يقدم التطواني هذه الخدمة مقابل 300 أورو للسلم، فمثلا من يرغب باستعمال سلمين أحدهما للصعود وآخر لنزول السياج البالغ ارتفاعه حوالي أربعة أمتار، عليه دفع 600 أورو، يقول نور الدين بهذا الخصوص؛ “بالنسبة لي شخصيا استأجرت سلما واحدا للصعود فقط، أما النزول فقد قمت بالقفز من الأعلى وقد سبب لي ذلك آلاما حادة في قدمي لم أقو بعدها على المشي، ما عجل بإلقاء القبض علي من طرف الشرطة الهنغارية التي أرجعتني إلى حيث انطلقت، إلى صربيا، وهناك سأفترق مع رفاقي الذين نجحوا في اختراق السياج من المرة الأولى”.
السوريون ممن لهم عائلات؛ نساء وأطفال هم من يستأجرون أكثر من سلم من التطواني لعبور السياج الأول والثاني الفاصلين بين صربيا وهنغاريا، أما المهاجرون المغاربة فيكتفون بسلم واحد لصعود السياج الأول وأثناء النزول يقفزون من الأعلى لاقتصاد بعض الأوروهات تسعفهم فيما تبقى من الرحلة.
بعد عبور السياج الأول بسلام، تصبح المهمة أسهل لأن الثاني أقل ارتفاعا وبدون أسلاك شائكة عكس الأول وبعد اجتيازه يطلق المهاجرون أرجلهم للريح للاختباء في الغابة.
التعامل مع المهاجرين في صربيا عموما جيد، فهم على الأقل لا ينقلون أخبارهم للشرطة على عكس البلغاريين العنصريين وعلى خلاف هنغاريا التي حتى كلابها جواسيس عليك الحذر من عيونها، الصربيون طيبون مع المهاجرين لأنهم يستفيدون منهم وخاصة السوريين الذين يستهلكون بكثرة ويصرفون أموالا طائلة في متاجرهم، كما يستعملون النقل السري في جميع تنقلاتهم نحو الحدود، فهم قلما يتنقلون مشيا، على عكس المغاربة الذين يكتفون بالضروري من الأكل ويتنقلون لعشرات الكيلومترات مشيا.
“الجميل في التطواني أنك تدفع له مرة واحدة بينما يقف معك حتى عبور السياج ولو تكرر ذلك لمرات ومرات”؛ يقول نور الدين الذي وصل إلى صربيا فارغ الجيوب، فكان عليه الاتصال بعائلته في المغرب لتحويل ما يعادل 300 أورو إلى حساب التطواني الذي ينبغي على أي مهاجر إطلاعه على صورة لوصل التحويل مقابل تسلم وصل يجب الإدلاء به لمساعديه وعماله الذين يعدون بالعشرات ليلة الخروج نحو هنغاريا في قاعة يُجمع فيها المهاجرون قبل إطلاقهم نحو السياج، ومن لا يتوفر على وصل الأداء، فلا خروج له.
يطلب التطواني من المهاجرين بعد وصولهم إلى وجهاتهم أن يقدموا له إهداء عبارة عن إشهار بتقنية الفيديو من الأماكن المشهورة في الدول التي يصلونها، كساحة برج إفيل في فرنسا أو الساحة الشهيرة في ميلانو الإيطالية أو مدريد…لتشجيع مهاجرين مستقبليين للتوجه إليه والسؤال عن مكان تواجده.
رحَّلت السلطات الهنغارية-كما سلف-نور الدين بعد سقوطه من السياج وإصابته إلى صربيا، حيث أقام عند التطواني لمدة أسبوع حتى تحسنت حالته فأعاد التجربة ثانية رفقة تونسي وجزائري تعرف عليهما في”بيت” التطواني، نجح خلالها في العبور نحو إيطاليا.
شهرة التطواني تجاوزت كل الآفاق، فقد ملأ الدنيا وشغل الناس حتى في مناطق نائية جدا من الجنوب الشرقي للمغرب، نظرا للطفه مع المهاجرين وخاصة مواطنيه المغاربة ووقوفه معهم وإيوائه لهم، ما يجعله بمثابة ملاك رحمة وملاذ لهم في تلك البلاد التي “لا حْنين ولا رحْيم فيها”.
تحت الشاحنة أنت وحظك
عند تخطي الحدود الصربية الهنغارية بنجاح، يصل المهاجرون إلى محطة لتوقف الشاحنات في الأراضي الهنغارية، هناك أنت وحظك، قد تنجح من المرة الأولى وقد تجر ذيول الخيبة، قد يلقى عليك القبض، قد تجد نفسك في بلد لم تكن تحلم به، قد تموت تحت شاحنة، كما قد تصل إلى هدفك بسلام ولو بعد مشقة.
غالبا ما يصل المهاجر بلدة سجيد الهنغارية بعد ليلتين مشيا، وبعدها عليه أن يختار اللحظة المناسبة عندما يخلو المكان من الحركة ليتسلل إلى أسفل إحدى الشاحنات المركونة في الموقف، وهناك يمكن أن ينتظر لأزيد من ثلاث ساعات قبل أن يدير السائق المحرك نحو وجهة يجهلها المختبئ أسفل الشاحنة، إذ بعد ساعات طوال يمكن أن يجد نفسه وقد عاد من حيث أتى أو في دولة لم تكن تخطر له على بال؛ في سلوفاكيا أو التشيك أو النمسا أو روسيا…وسيء الحظ من يقوده قدره إلى النمسا لأن عليه بصم طلب اللجوء الإنساني والذي حتى بعد أن يصل المهاجر إلى وجهته وأراد الحصول على أوراق الإقامة، فإن عليه تنصيب محام لإلغاء ذلك الطلب الذي لا يقبل أصلا، إنما مضطر أخاك لا بطل، فأغلب المهاجرين يطلبون اللجوء في النمسا وفي غيرها من دول شرق أوربا والبلقان فقط للاستراحة والتخطيط لما تبقى من المشوار(كما تقدم).
“لحسن حظي أنني بعد 16 ساعة وبعد أن قطعت تراب هنغاريا وسلوفينيا وجدت نفسي في بالمانوفا الإيطالية، حيث ركبت قطارا نحو بيركامو أين يقيم أحد أفراد عائلتي.
لم أفوت الفرصة للاستراحة لأيام قبل إتمام المسيرة نحو إسبانيا”، يحكي نور الدين عن رحلته التي تستحق أن تدون ضمن أدب الرحلة أو روايات الهجرة الحابلة بالتجارب والدروس والمعاناة، بالإخفاق والنجاح، باليأس كما بالأمل بالتحدي والإصرار كما بالإحساس في لحظة من اللحظات بالرغبة في الاستسلام والتراجع.
من إيطاليا إلى إسبانيا مرورا بفرنسا
بعد وصوله إلى إيطاليا، لم يعد نور الدين يتنقل مشيا، إذ أضحى يركب القطار معززا مكرما، فمن بيركامو إلى ميلانو ومنها إلى قرية Claviers على الحدود الفرنسية التي سيترجل منها مرة أخرى نحو مدينة صغيرة تدعى بريونسون Brionçon، حيث أقام لأيام في جمعية تعنى بالمهاجرين السريين أخضعته لفحوصات كورونا كما أجرى له طبيب خاص فحصا بالأشعة على رجله التي تألم فيها أثناء محاولته الأولى عبور السياج الحدودي بين صربيا وهنغاريا، قبل أن يواصل بالقطار نحو ألميريا الإسبانية التي يقيم فيها حاليا، أين تنتظره معركة أخرى، معركة طويلة للحصول على أوراق الإقامة.
قاموس، مجموعات فايسبوكية وواتسابية وتطبيقات خاصة
للحراكة قاموس خاص يتفاهمون به حتى لا ينكشف أمرهم، قاموس يذكِّر بما كان يفعله معتقلو تزمامارت من تبادل كلمات متفق على معناها مسبقا فيما بينهم كي لا يفهم حراس المعتقل شيئا مما يتبادلونه من أخبار.
في الطائرة من الدار البيضاء إلى إسطنبول الكثير من الركاب من الشبان الذين لا غرض لهم في تركيا سوى العبور نحو الفردوس الأوربي، هؤلاء الشبان يتعرف بعضهم على بعض بالبديهة لأن سيماهم في وجوههم من أثر الرغبة الجامحة في الهجرة، وحتى إذا ساورت أحدهم الشكوك عن آخر هل هو حراك أم مجرد سائح، فإنه توجد كلمة سر يستعملها الحراكة في الطائرة والمطار لرفع اللبس وتمييز بني جلدتهم عن غيرهم وهي عبارة عن سؤال؛ “تيسالونيك”؟
“تيسالونيك” مدينة يونانية ومرحلة أساسية في طريق الحراكة نحو أوربا الغربية، لكنها في لغتهم تعني؛ هل أنت حراك؟ فإن أجاب الطرف الثاني بنفس ما سئل به أي ب؛ “تيسالونيك”، فهذا معناه أنه فهم المغزى وأن الرسالة وصلت وأنه من حزب الحراكة وإن ظهرت عليه علامات الاستغراب والتعجب فإنه ليس منهم.
من الشفرات المستعملة عند الحراكة؛ “الخرطية” التي تعني وثيقة التنقل التي تسلمها السلطات البلغارية وتسمح لهم بالتجول بكل حرية، أما “مارش أريان مهرسة” فتعني في قاموسهم لا سلام ولا استسلام معركة إلى الأمام.
يلتئم المغاربة الراغبون في الهجرة إلى أوروبا الغربية في مجموعات فايسبوكية ووتسابية لتبادل المعلومات والسؤال عن أحوال الطريق ومستجداته، وفضلا عن ذلك فهم يستعملون تطبيقات تدلهم على نقاط عليهم المرور بها للوصول إلى هدفهم.
أشهر هذه التطبيقات Maps me الذي بعد تحميل دول العبور فيه لا يعود بحاجة إلى تغطية الأنترنت للعمل، ولذلك ميزات جيدة للحراك، ف” الحراكة” يمرون بأدغال لا تغطية فيها وهذا التطبيق يمكنهم من العمل دونها وشرطة الدول التي يقطعونها تتوفر على تطبيقات متطورة تكشف أماكن تواجدهم في حالة ارتباطهم بالأنترنت، وبالتالي فمواصلة المسير دون تغطية أنترنت يفوت عليها تلك الفرصة.
عند إلقاء القبض على مهاجرين في طريق ما، يُهجر ذلك الطريق ويصبح في قاموس المهاجرين السريين “طريقا محروقا”، عليهم تغييره.
طلبة، مجازون وبناؤون… يعلنون النفير الأكبر
لم يكن نور الدين ورفاقه الوحيدون من الجنوب الشرقي الذين عبروا إلى أوربا عن طريق البلقان، بل سبقهم العشرات ممن وصلوا إلى هناك وممن ينتظر.
من ملاعب، امصيصي، ألنيف…عشرات الشباب اختاروا رحلة البلقان لتحقيق حلمهم ببلوغ الفردوس الأوربي، منهم طلبة مجازون، جباصون، بناؤون…
من هؤلاء عسو المنحدر من نواحي مرزوكة والحاصل على الإجازة في القانون من كلية الحقوق بمكناس والذي حول تجربة رحلته في البلقان إلى يوميات ينشرها على صفحته الفايسبوكية ويتابعها المئات.
يحكي عسو عن تلك التجربة المريرة عبر حلقات، ومنها حلقة عن تلك الصراعات المميتة التي تشبه حروب عصابات بين فصائل يحاول كل واحد منها السيطرة على أماكن العبور بين صربيا وهنغاريا لما يدره ذلك من أموال طائلة على رؤساء تلك الفصائل.
يقول عسو؛ ” ذات يوم هاجمنا المنطقة الواقعة تحت سيطرة تونسيين وجزائريين وتمكنا من طردهم وغنمنا منهم سلالم تستعمل لعبور السياج الحدودي، وغير بعيد يفرض الأفغان هيمنتهم المطلقة على نقطة عبور أخرى”.
لا تقتصر الأسلحة على السيوف والسواطير، بل أحيانا تتعداها إلى أسلحة نارية يلجأ إليها أباطرة التهريب الذين يقيمون مع معاونيهم في خرائب تنتشر قرب الحدود.
وفضلا عن صراعات المهربين القاتلة والتعذيب الجسدي والجوع والخنازير التي تعج بها تلك الغابات، فإن البرد القارس شتاء يشكل الخطر المحدق بمن اختار آخر الطرق نحو أوربا، إذ يقضي الكثير من المهاجرين بردا في أدغال البلقان، فشدة البرودة قد تنهي رحلة أحدهم في أي لحظة كما حدث قبل أسابيع لشاب ينحدر من منطقة ألنيف لقي حتفه في إحدى غابات اليونان بسبب التجمد.
تحقيق صحفي احترافي تحياتي للكاتب