أصدر السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي بلاغا بتاريخ 20 فبراير الجاري، بمناسبة انعقاد “اجتماع اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بالصخيرات”، ومما جاء في بلاغه أن “اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، تعتبر إطارا موجها لكل الدول الأعضاء في سياساتها وتشريعاتها وممارساتها، وذلك من خلال اعتمادها اتفاقية عربية لحقوق الإنسان، تجسدها وثيقة الميثاق العربي لحقوق الإنسان”، وأضاف ” بهذا الخصوص أن إجراءات مصادقة المغرب على هذا ا الميثاق تأخذ مجراها العادي وتوجد في مراحلها النهائیة”.
إن خطورة تصريح السيد الوزير تكمن في ضرب كل المكتسبات المغربية على مستوى الممارسة الاتفاقية والمتعلقة بالمصادقة والانضمام إلى عدد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فهذه المبادرة تعد انتكاسة حقوقية، لكون أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان يخالف تماما كل التشريعات الدولية والمعايير العالمية لصون وحماية الحريات والحقوق.
وللتذكير، ومنذ اعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان ، بادرت عدة جمعيات حقوقية مغربية ومغاربية واقليمية وحتى دولية تدعو الدول إلى عدم المصادقة على هذه الوثيقة، لمخالفتها كنه وجوهر حقوق الانسان، بل إن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تدخلت في سنة 2003، وكلفت لجنة من الخبراء لتقديم توصيات بشأن إصلاحه، إلا أن اجتماع القمة العربية المنعقد في ماي 2004 بتوتس لم يعتمد التوصيات الجوهرية المقدمة له من قبل المفوضية، خاصة منها المتعلق بالمرأة والأسرة وحرية المعتقد وعقوبة الإعدام وسمو التشريعات الدولية على التشريعات الوطنية، واختصر الأمر على قبول بعض التوصيات التقنية أو الإجرائية.
يكفي الرجوع إلى إعلان بيروت للحماية الإقليمية لحقوق الإنسان والموقع من عدة منظمة إقليمية، وأيضا إلى وثيقة 100 توقيع من بينهم 30 امرأة من النخبة التونسية التي طالبت الرئيس التونسي سنة 2005 ب “سحب الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعروض أمام مجلس النواب التونسي لأنه يمثل تراجعا كبيرا بالنسبة للتشريعات التونسية”…. لمعرفة مدى رفض المجتمع الحقوقي لهذه الوثيقة.
بالعودة للميثاق، نجد فيه مثلا أنه ينص على ” لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام إلا في الجنايات بالغة الخطورة …. لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام على امرأة حامل حتى تضع حملها …”، (المادتين 6 و7)، مما يعني الإبقاء على عقوبة الإعدام في التشريعات الوطنية.
وينص أيضا على الدول الأطراف “أن تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة وبما يتفق مع تشريعاتها الداخلية الخاصة بالجنسية في تمكين الأطفال من اكتساب جنسية الأم” (المادة 29)، وهو تمييز على أساس الجنس، بأحقية الأب بتمكين بشكل تلقائي الابن من الجنسية، في حين الأم يجب أن تنتظر الإذن من التشريعات الوطنية.
أيضا ينص ” لكل شخص الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين ولا يجوز فرض أية قيود عليها إلا بما ينص عليه التشريع النافذ.” (المادة30)، فالفقرة الثانية تلغي تماما الحق، بكون حرية الفكر والدين معلقة بالتشريع الوطني.
أيضا ينص على أن “الزواج بين الرجل والمرأة أساس تكوين الاسرة، وللرجل والمرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة وفق شروط وأركان الزواج” (المادة 33)، مما يجعل حرية الجسد والحق في الاختلاف مرهون فقط بالزواج، حتى وإن كان الشخصين راشدين فلا حق لهما في علاقة جنسية رضائية، ويضاف التفسير الغامض لمعنى “سن الزواج”، هل هو سن البلوغ؟ أم سن الاهلية؟ مما يفتح المجال لزواج القاصرات والأطفال.
بخصوص الأجانب ينص الميثاق”على كل دولة طرف أن تضمن الحماية الضرورية للعمال الوافدين إليها طبقا للتشريعات النافذة” (المادة 34) وهو تمييز بين المواطنين الذين لهم تشريعات عامة والأجانب الذين تخص لهم تشريعات خاصة في مجال العمل، ويضيف الميثاق أن” حق كل مواطن في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمين الاجتماعي.” (المادة 36)، أي أن المقيمين أو الأجانب وغير المواطنين لا يشملهم هذا الحق.
ودون الإطالة في تقديم العديد أوجه التناقض بين المعايير الدولية والميثاق العربي، فإن فسلفته تكمن بتقييد الحقوق وفي نفس الوقت يهرب تنظيم الحريات إلى التشريعات الداخلية النافذة في كل دولة.
ختاما تكمن خطورة “خطوة” السيد وهبي في أنه يريد وضع مكابح أمام الحركة الحقوقية المغربية لتطوير منظومة حقوق الإنسان أمام الهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان، لكون مبدأ تدرج مستويات الانتصاف (الوطنية، الإقليمية، الدولية) ضروري، وسيكون ملزم على أي شخص يريد التظلم وممارسة حقوقه في الانتصاف الدولي، أن يمر عبر اللجنة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة قبل لجوءه إلى مقر مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
إن السيد الوزير أعاد بالمغرب إلى زمن ما قبل 2005، حيث انتهى النقاش والجدل حول الميثاق العربي لحقوق الإنسان، بكونه وثيقة غير حقوقية ولا ينبغي أن تكون مرجعا للسياسات والتشريعات والممارسات، هذه العودة تعكس حجم الانتكاسات والتراجعات الحقوقية (خاصة وأن سنة 2005 لها دلالة حقوقية قوية في التاريخ المغربي عبر هيئة الإنصاف والمصالحة)، كما أنها فرصة للحركة الحقوقية المغربية لتصدي لهذه المبادرة المنفردة والاحادية من قبل الحكومة المغربية.
تعليقات الزوار ( 0 )