ان من يقارن بين المناضل السياسي والحقوقي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله وباقي الشخصيات السياسية التي ظهرت في الساحة السياسة المغربية ،فهو مخطئ،حيث لا مجال للمقارنة مع وجود رجل من طينة الرجال الذين تجتمع فيهم أمة بأكملها في بلد يتسم بتنوع الألسن والثقافات.
انخرط اليوسفي في العمل السياسي في سن مبكرة ،وساهم بمعاونة رفاقه في المقاومة على تأسيس العديد من الجمعيات والمنظمات ،وعند عودته من فرنسا إلى أرض الوطن ،ترأس اليوسفي أكبر حزب يساري بالمغرب في مرحلة صعبة،وبعد وفاة الراحل الملك الحسن الثاني،شارك حزب الاتحاد الاشتراكي في انتخابات 1997،وتصدر المشهد السياسي،وقاد اليوسفي الحكومة التي سميت حينها بحكومة التناوب في مارس1998،واتسمت تلك الفترة بتعقيدات،كونها مطالبة بفتح آفاق جديدة وتصفية ملفات الماضي .
وحين عين الراحل الملك الحسن الثاني القيادي عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا،خاطبه قائلا:إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك،وأعرف جيدا منذ الاستقلال أنك لاتركض وراء المناصب، ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب بذل الكثير من الجهد والعطاء من اجل الدفع ببلادنا إلى الإمام.
ومابين ميلاده في مارس من سنة 1924ووفاته يوم 29 من مارس 2020،عاش الرجل حياة حافلة وهو يتنفس برئة واحدة بعدما جرى استئصال الأخرى في عمليتين جراحيتين ،في خمسينيات القرن الماضي،وقد عاش الراحل عفيفا،ولم ينشغل فقط بهموم بلده،بل سكنته قضايا عربية ودولية وانغمس في مساندة حركات التحرر في العالم،وكانت حياته بفرنسا حافلة بالنضالات السياسية والحقوقية،داخل اتحاد المحامين العرب والمنظمة العربية لحقوق الإنسان،كما تولى الدفاع عن المناضلين الفلسطينيين في المحاكم الأوروبية .
كان المناضل عبدالرحمان اليوسفي رحمه الله يحمل قدرة هائلة على التجاوز والبحث عن التوافق،لذلك كان الفرقاء يجدون فيه حكما أساسيا ورجلا قدرا على صياغة المعادلات المركبة ببساطة تقنع الجميع،كما
عاش الراحل تقاطعات كبرى ،تقاطعات في الزمن بين النضال من اجل الحرية والاستقلال والنضال ضد الاستبداد ومن احل الديمقراطية،والتقاطع بين القيادات الوطنية والقيادات الشابة،والتقاطع بين الوطني الأصيل والقائد الأممي الذي شغل مناصب مهمة عربيا ودوليا مهمة،شخصية سياسية وحقوقية انصهرت فيها أبعاد كثيرة ،جعلت من اليوسفي ليس فقط رجل دولة بل رجل تاريخ.
وقبل سنتين من الرحيل خرج اليوسفي ليسجل شهادته على مرحلة مهمة من تاريخ المغرب في كتاب “أحاديث فيما جرى”مذكرات شخصية توثق لأحداث عايشها الراحل خلال مساره السياسي الحافل والمتنوع،وقد حضر الملك تدشين شارع في طنجة باسمه في يوليوز 2016،وهو الحدث الذي قال عنه اليوسفي رحمه الله في مذكراته الشخصية انه”غير مسبوق في تاريخ المغرب،وترك أثرا بليغا في نفسي”.
تعليقات الزوار ( 0 )