شارك المقال
  • تم النسخ

عام على سقوط بوتفليقة: تغيّر الكثير ولم يتغيّر شيء

في مثل هذا الأسبوع منذ عام دُفع الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة وعائلته دفعا إلى الباب الضيق بعد عشرين عاما من حكم ظالم ومظلم.

عشرون سنة كانت عبارة عن كابوس، ازدهرت خلالها صناعة اللصوصية والفشل وعبادة الشخص والذل السياسي، ولا شيء غير ذلك.

من المفروض أنها البهجة العامة والعارمة، لأن ما تحقق يوم 2 (أبريل) 2019 كان، إلى وقت قريب قبله، من ضروب المستحيل.

لكن، بعد عام، تبدو الجزائر في مشهد فريد من نوعه: تغيّر الكثير ولم يتعيّر شيء! لوحة رمادية تجمع مزيجا من التناقضات. سارت أشياء نحو الأحسن، وسارت أشياء أكثر نحو الأسوأ. اختلط الأمل بالإحباط، وغطى الحذر والخوف على البهجة والتفاؤل.

إلى الجمعة الأخيرة من الحراك الشعبي، قبل قرار تعليقه بسبب فيروس كورونا، كان الجزائريون يرفعون شعارات سياسية لا تختلف في عمقها عن تلك التي رفعوها في الجمعة الأولى يوم 22 (فبراير) 2019. إذا كان لا بد من قراءة في هذه «الاستمرارية»، فهي أن طريق الجزائريين نحو حلمهم لا يزال طويلا.
سقط رئيس كاد الجزائريون أن يصدّقوا أنه قدرهم المحتوم.. الذي لا يستقيل ولا يُسقَط ولا يموت. وسقط معه محفل كامل من اللصوص والفاسدين وناهبي أموال الشعب، بدليل أن حوالي 50 من وزراء وكبار القادة الأمنيين والمسؤولين السياسيين والاقتصاديين معتقلون في غياهب السجون، أو مُطاردون في الداخل والخارج، بتهمٍ مختلفة لكن تدور كلها حول النهب والسلب واستباحة المال العام.

أهم من سقوط الأشخاص، سقط مع المخلوع جدار الخوف وغطاء الشعور بالذل. استعاد الجزائريون ثقتهم في أنفسهم وآمنوا مجددا بكرامتهم، فتمسكوا بالتظاهر السلمي أسبوعيا إلى أن حالت جائحة كورونا دون ذلك. لم يثنهم الكمّ الهائل من القمع الأمني والإعلامي والسياسي عن المضي في المطالبة بحقوقهم. ولم تحل القبضة الأمنية التي استبدت بالبلاد مجددا دون استمرارهم في إعلان رفضهم للنظام ذاته الذي بناه المخلوع ورعاه.

تعزز إيمان الجزائريين بأن التغيير ممكن وغير مستحيل، وبأن «ما ضاع حق وراءه ساعٍ له».

لكن رغم كل دواعي التفاؤل المذكورة آنفا، لابد من الاعتراف بأن خيبات كثيرة رافقت الأسابيع والشهور التي أعقبت الثاني من (أبريل). ذهب المخلوع وبقيت الممارسات القميئة.

كان في إمكان الجزائر أن تغتنم فرصتها التاريخية، التي يصعب أن تتكرر، وتتجه نحو وجهة تشع منها ملامح مستقبل أقل قسوة لأبنائها. غير أن قوة النظام وتجذره الشديد حالا دون ذلك وأثبتا أن المخلوع، بكل مَن معه وحوله، كان ركيزة أساسية من ركائز النظام ولم يكن النظام كله.

عقيدة النظام الأصعب والأخطر، أمنية بحتة. يستحيل عليه التفريط فيها بسهولة لأنها في صلبه وأساس وجوده. لذلك عادت الممارسات الأمنية دون تأخير، في الأسابيع التي أعقبت الإطاحة بالمخلوع. عادت أكثر جرأة وشراسة، وطالت رموزا سياسية ووجوها كان يصعب تصور أنها ستُعتقل.

هذه العقيدة الأمنية هي التي قادت، عكسًا عن كل منطق وعقل، إلى اعتقال ناشطين كانوا في الصفوف الأولى المنادية بالإطاحة بالمخلوع. بعضهم كانوا ينشرون الوعي السياسي عندما كان كبار القادة الأمنيين، وعلى رأسهم قائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، يزكّون الفترات الرئاسية لبوتفليقة، بحمولتها الثقيلة من الفساد والفشل، الواحدة تلو الأخرى.

تلك العقيدة الأمنية ذاتها واصلت سحق طموحات الجزائريين وأحلامهم، وعادت إلى تقييد الحريات السياسية والإعلامية بشكل لا يختلف عمّا كان عليه الحال في عهد المخلوع.

الفرق بين أداء العقيدة الأمنية قبل 2 (أبريل) 2019 وبعده، أنها في «العهد الجديد» أصبحت مدعومة بأذرع شعبية كانت بشكل من الأشكال جزءا من الحراك الشعبي في أسابيعه الأولى. أي أن القمع الأمني بعد 2 نيسان (أبريل) اكتسب شرعية معينة وجدها في صمت متواطئ، وأحيانا دعم صريح، من مكونات اجتماعية ونُخب وشخصيات، على اعتقال شبان وطلبة جامعيين ونشطاء سياسيين وحتى أحد قادة حرب الاستقلال، الأخضر بورقعة.

ليس سرًا القول إن القبضة الحديدية التي مارسها الراحل أحمد قايد صالح بعد الإطاحة ببوتفليقة، تستمد شرعيتها من قوة الجيش ورصيده المعنوي، من جهة، ومن تواطؤ فئات ونخب سياسية وثقافية مدفوعة بالطمع وحب الانتقام أكثر من حرصها على مستقبل الجزائريين.

بسبب هؤلاء لا تزال الجزائر في المربع الأول بعد عام من سقوط الصنم. تغيّر المظهر وبقي الجوهر. رغم اختفاء رأسي معسكري القطبية من المشهد، بوتفليقة وقايد صالح، ما أشبه اليوم بالبارحة.

كاتب صحافي جزائري

عن القدس العربي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي