كثر الحديث اليوم عن المدن الذكية وعلاقتها بالتنمية الترابية، التنمية المستدامة، الاقتصاد الذكي، التنقل الذكي والعديد من المفاهيم المرتبطة بالمدينة والتدبير الترابي المحلي. ومما لا شك فيه أن هذه المفاهيم مرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي الذي نحن على أبوابه.
إن البشرية عرفت مرور أربع دورات تاريخية، بدءا من الثورة الزراعية، ثم الثورة الصناعية، مرورا بالثورة الحاسوبية والانترنيتية، وصولا الآن إلى تكنولوجيات القطيعة واقتصاد المعرفة.
إن أي دورة تاريخية يكون لها تأثير مباشر على 04 أشياء وعناصر مباشرة أولها الأسرة، ثم المدرسة، ثم السوق وأخيرا المهن. هذه العناصر الأربع هي المرتكزات الأربع لتطور المدينة. فالمدرسة الجديدة ستساهم بشكل كبير في خلق جيل المدينة الذكية، جيل التكنولوجيا والابتكار، جيل تكنولوجيا القطيعة هذه الأخيرة التي لم يتوقع لها أن تصل إلى هذا التطور وبالتالي أصبحت ذلك التنين الذي سيقلب موازين القوى في العالم الذي نريد الولوج إليه، وبالتالي فالتعليم المستقبلي هو مكون أساسي ومصيري وفي تطوير شكل المدينة مستقبلا. كذلك السوق المستقبلي هو سوق المدينة الذكية وهو شكل ونوعية الاقتصاد الذي سيساهم في تحريك العجلة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة المستقبلية، فالسوق الجديد هو سوق التجارة الإلكترونية والنقالة، هو سوق البيانات الضخمة من خلال جمعها وتخزينها وتحليلها وتفسيرها وبيعها، السوق الجديد هو سوق يتخطى السوق المحلي والوطني الى السوق الدولي والعالمي، السوق الجديد هو سوق العوالم الإفتراضية بامتياز، سوق المتاجر الالكترونية، والسياحية الرقمية، والفلاحة الرقمية والصحة الرقمية والثقافة الرقمية فهو سوق الرقميات والبيانات، سوق لا حدود قصوى له، سوق سيزيد من انتشاره وتغوله التقدم التكنولوجي وصبيب الأنترنيت العالي جدا. وبالتالي كل هاته العوامل وغيرها وما سينتج عنها مساهمة بشكل كبير في تسريع الانتقال نحو المدينة الذكية. ولكن تبقى عدة تساؤلات يجب إلقاء الدور عليها وهي :
أولا هل نحن في مرحلة الانتقال الرقمي أم مرحلة التحول الرقمي؟ ثانيا هل هناك سلم نضج وتطور للمدينة في ظل التحول الرقمي أم لا؟ وما الفرق بين رقمنة المدينة والمدينة الرقمية والمدينة الذكية المستدامة؟ وأخيرا كيف يمكن التحول الى المدينة الذكية في ظل أزمة الفاعل السياسي المحلي الترابي على مستوى التدبير؟ كلها هذه التساؤلات وغيرها محط نقاش وتحليل وتفسير وتقتضي الظرفية الإجابة عليها من أجل تحديد نوع المستقبل المرغوب الذي نريد الولوج إليه.
هذه الأسئلة وغيرها كفيل بالإجابة عليها عبر الزمن، لكن الموجة الحالية والحديث عن المدن الذكية والتحول الرقمي والخدمات الالكترونية والتدبير الذكي وووو…. كلها تصب وفي طريق واحدة وهي التدبير الترابي المحلي للمدينة والذي يمارسه الفاعل السياسي في هذا الإطار.
إن هذا الأخير يتحمل مسؤولية كبيرة جدا في الانتقال بالمدن الحالية إلى المدن الذكية المستدامة، فلا يمكن الفصل بين الذكية والاستدامة لأنهما وجهان لعملة واحدة فتحقيق الإستدامة رهين باستعمال التكنولوجيا، واستدخال هذه الأخيرة يساهم بدون شك في تحقيق الإستدامة بعناصرها الأربع وفق الخطة الحضرية الجديدة للأمم المتحدة، الإستدامة المكانية، والاستدامة الاقتصادية، والاستدامة الاجتماعية واخيرا الاستدامة البيئية.
إن ضعف الفاعل السياسي وقصور رؤيته في تدبير المجال الترابي والاقتصار على النظر للأمور من زاوية ضيقة قصيرة المدة يضيع الزمن التنموي ويساهم في إهداره ويفوت الفرصة في تسريع الانتقال نحو المدن الذكية ويبقى كلامه مجرد طوندوس وتريدنيغ، مرتبط بالظرفية من أ جل التسويق لا غير.
ان المدينة الذكية المستدامة تتجاوز المدينة الرقمية أو رقمنة المدينة، فهي مدينة معقدة جدا أكثر مما نتصور مدينة تجتمع فيها المعرفة والاستدامة والتكنولوجيا، فالانخراط في مواكبة هذا التحول يقتضي بالضرورة وجود نخب سياسية محلية مؤهلة، وذات مستوى رفيع من التكوين، وتتوفر على تفكير استراتيجي بامتياز الذي يجمع بين التفكير التقني والتفكير النقدي، ناهيك على توفرها لرؤية واضحة المعالم تتماشى مع رؤية الدولة ومنخرطة فيها و تلبي احتياجات المواطنين ونمط عيشهم وتأخد بعين الاعتبار رهانات القطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل الدفع نحو التقدم للمدينة الذكية المستدامة، دون ذلك سيبقى الأمر مجرد طوندوس.
*أمين سامي خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية.
تعليقات الزوار ( 0 )