شارك المقال
  • تم النسخ

طوفان التعليم والمستقبل

إن الصراع القائم في قطاع التعليم في أي بلد سواء كان متقدما أم سائرا في طريق النمو، له جذوره وامتداداته عبر التاريخ والحضارة الإنسانية.

إن العالم بأسره متفق تماما وبدون أدنى شك أن تطوير قطاع التعليم وزيادة ميزانية البحث العلمي وتطوير الخدمات الصحية والفلاحية هم الأساس في تقدم الشعوب والدول. ولكن لكل إصلاح ضريبة ونتيجة لذلك، ولقد عرف الإنسان منذ الثورة الحضارية الأولى أربعة تطورات للمدرسة في العالم، بدءا بالمدرسة الزراعية التي جاءت مع الثورة الزراعية، ثم مع الثورة الحضارية الثانية ظهرت مدرسة الدولة لتواكب متطلبات الثورة الصناعية واعداد البروفايل المناسب للصناعة، ثم مع التقدم التكنولوجي وظهور الحاسوب وانتشاره والانترنيت ظهرت الثورة الحضارية الثالثة مع استدماج كبير التكنولوجيا في مدرسة الدولة وظهور شعب وتخصصات معينة في هذا المجال واصبحت التكنولوجيا جزءا اساسيا ومصيريا في تقدم الشعوب، والدول ولعبت هذه الأخيرة دورا مهما في تطوير العديد من القطاعات الى ان أصبحت اليوم قاطرة تجر كل القطاعات بعد ان كانت مجرد عربة وظيفية ضمن القطار.

إن الثورة الحضارية الرابعة ستقلب الموازين في أربع مدارس كبرى في الحياة وهي : الأسرة والمدرسة والسوق والمهن. إن المدرسة الجديدة هي مدرسة الرقمنة بلا شك وبلا منازع وهذا حاصل لا محالة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف سيكون شكل هذه المدرسة وماهي مواصفاتها وماهي قيمها التي ستتبناها وتدافع عنها، وماهي طرق تنظيمها وكيف ستعمل وكيف سيتم تنظيم هذه المدرسة الجديدة…، وبالرجوع للتقارير العالمية والدولية والتصنيفات نجد أن الدول النامية دائما توجد في ذيل التصنيف نظرا لضعف جودة التعليم وعدم مواكبتها للتطورات الحاصلة في العالم ومواكبة النموذج التنموي العالمي الجديد، الذي يرتكز على اقتصاد المعرفة وتحليل البيانات الضخمة.

لا يمكن المساهمة في اصلاح التعليم وفق مقاربة تقنية محضة وصرفة والتعامل معه كشركة او مؤسسة خاصة ومن يروج لهذه الأطروحة فهو خاطئ تماما مليون في المئة، ولا يمكن اعتبار التعليم الخصوصي مقياسا للنجاح من أجل إصلاح التعليم العمومي، فالشاذ لا يقاس عليه حتى وإن كان ناجحا يبقى شاذا، لان لا ظروف التعليم الخصوصي، ولا إطاره التشريعي المرافق له، ولا أعداد تلاميذه، ولا نوعية الخدمات المقدمة، و…. تختلف تماما عن التعليم العمومي، كما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية خاصة معدلات الفقر والهشاشة والاقصاء الاجتماعي و التحديات البيئية كلها عوامل تساهم بشكل مباشر في التأثير في هذا القطاع الحيوي.

فالتعليم ليس بضاعة او سلعة لها معايير ومواصفات يجب ان تخضع لها وفق مقاييس الجودة الحالية، الايزو او EFQM، ان الجودة في مفهومها العام هي تحقيق الأهداف المرجوة باقل تكلفة واقصر مدة زمنية وجودة عالية للمنتج او الخدمة. هذه العملية صالحة في المجال الصناعي والاقتصادي لان هناك آليات العمل ومناخ مؤهل لاستقبال هكذا مفهوم، أما في التعليم فالامر مختلف تماما البت، لان التعليم يقوم ببناء الفكر وبناء التعلمات وهناك فروق فردية بين المتعلمين يجب مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار فنحن لا نقوم بصناعة الروبوتات او مواد استهلاكية، فهذا المتعلم هو الطبيب مستقبلا والمهندس والجندي و الممرض والاداري، والعامل والمقاول والقاضي والمحامي مستقبلا…. فلا يمكن اعتماد المقاربة التقنية الصرفة في اصلاح منظومة هي اساس باقي القطاعات، فمدرسة الجودة لها شروط عميقة لتحقيقها وتنزيلها، فلا يمكن الحديث عن مدرسة الجودة بدون معلم الجودة وهذا يفتح نقاش عن ماهي مواصفات معلم الجودة، ومواصفاته من حيث المعرفة المطلوبة، والمهارات المطلوبة والقيم المطلوبة، وماهي المهمة الرئيسية والمهام المطلوبة للتنزيل والاليات المتوفرة لتنزيل هذه المهام وماهي الموارد المرصودة للتنزيل سواء ماديا أو معنويا، وهذا يفتح نقاش عن دليل مواصفات المهنة الخاص بالتعليم، ان غياب الدليل يجعل الباب مفتوح على مصراعيه ويجعل القطاع غير منظم فعليا رغم وجود العديد من الدلائل فهي تبقى مجرد حبر على ورق.

خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي