في تطور قد يغيّر ملامح المنطقة، شنت إسرائيل، في الأيام الماضية، سلسلة غارات جوية غير مسبوقة استهدفت مواقع عسكرية ونووية داخل إيران، ما أسفر عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين، إلى جانب شخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني.
وبينما تصر تل أبيب على أن الهجمات كانت “استباقية”، يرى العديد من المحللين، ومنهم الدبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد هاس، أن هذه العمليات تندرج ضمن “الضربات الوقائية” التي تفتقر إلى الإجماع القانوني والدبلوماسي، وتثير تساؤلات حول شرعيتها وتداعياتها.
ضربات مباغتة… لكن إلى أي مدى كانت ناجحة؟
ويؤكد هاس، في مقاله المنشور بموقع Project Syndicate، أن التقييم النهائي لنجاح العملية الإسرائيلية لا يزال مبكرًا، إذ يعتمد على حجم الضرر الذي لحق بالمنشآت المستهدفة، والمدة التي قد تحتاجها طهران لإعادة بناء قدراتها العسكرية والنووية، فضلًا عن مدى التأثير في هيكل القيادة داخل إيران.
ورغم أن إسرائيل سبق لها تنفيذ ضربات مماثلة في العراق وسوريا ضد مشاريع نووية ناشئة، فإن استهداف العمق الإيراني بهذا الشكل يضع المنطقة أمام احتمالات مفتوحة للتصعيد، خاصة في ظل الانقسام الداخلي في إسرائيل حول ملفات غزة والقضاء، مقابل إجماع نادر على التهديد الإيراني.
الولايات المتحدة في موقع المراقب الحذر
وبحسب تقارير إعلامية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين، كانت واشنطن على علم مسبق بالهجوم، لكنها لم تحاول منعه. ورغم محاولات الإدارة الأميركية التملص من أي دور مباشر، إلا أن غياب المعارضة الأميركية الصريحة يوحي بـ”ضوء أصفر” أكثر منه “أحمر”، خصوصًا في ظل انسحاب جزئي للقوات الأميركية من مناطق عدة في الشرق الأوسط تحسبًا لأي رد إيراني محتمل.
وشدد البيت الأبيض، عقب الهجمات، على أن إسرائيل تصرفت بمفردها، محذرًا إيران من استهداف القوات الأميركية. لكن يبقى السؤال مفتوحًا: إلى أي مدى ستدعم واشنطن حليفها الإسرائيلي إذا اندلعت المواجهة بشكل أوسع؟
إيران أمام خيارات محدودة… لكن خطيرة
وجاء الرد الإيراني أوليًا على شكل موجات من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، تصدت لها منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن طهران قد تلجأ إلى ردود غير تقليدية، عبر وكلائها في المنطقة أو عبر ضربات سيبرانية أو هجومية تستهدف مصالح إسرائيلية أو أميركية خارج حدود الشرق الأوسط.
كما لا يُستبعد أن تستهدف إيران قطاع الطاقة في الخليج، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، ما يضع الغرب في مأزق اقتصادي ويمنح طهران متنفسًا ماليًا وسط العقوبات.
فرص التفاوض تتلاشى وملف إيران النووي يزداد تعقيدًا
ومن المرجح أن هذه الضربات تقضي على ما تبقى من آمال العودة إلى طاولة المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي، وهو ما أبدى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رغبة في إحيائه خلال حملته الانتخابية.
وفي ظل هذا التصعيد، تبدو العودة إلى الدبلوماسية ضربًا من الخيال، لا سيما إذا اختارت إيران تسريع تخصيب اليورانيوم أو إعادة بناء منشآتها في مواقع أكثر تحصينًا.
من التالي؟ وأين تقف المنطقة؟
وتتزايد المؤشرات على احتمال موجة ضربات إسرائيلية جديدة تستهدف منشآت نووية إيرانية، مدفوعة بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتحذيرات ترامب بأن “الرد الحاسم قادم”. لكن يبقى الغموض سيد الموقف، في ظل تصاعد التوترات وغياب رؤية واضحة لمستقبل الصراع.
حرب الشرق الأوسط الجديدة قد بدأت بالفعل
وما يجري ليس مجرد حلقة جديدة في مسلسل التوتر الإيراني الإسرائيلي، بل بداية فصل جديد في حرب مفتوحة قد تشمل ساحات متعددة، من مضيق هرمز إلى حدود لبنان وسوريا، وحتى الفضاء الإلكتروني.
وبينما تبدو إسرائيل مصممة على منع إيران من امتلاك سلاح نووي بأي ثمن، تقف طهران أمام تحدي الرد دون الانزلاق إلى مواجهة مدمرة.
وفي ظل هذا المشهد الضبابي، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل العالم مستعد لحرب مفتوحة في الشرق الأوسط؟ وهل يملك قادة المنطقة وشركاؤهم الدوليون الشجاعة الكافية لكبح جماح الانزلاق نحو المجهول؟
تعليقات الزوار ( 0 )