نشرت صحيفة “نيوزويك” الأمريكية، تقريراً، تناولت فيه تفاصيل الاتفاق الذي جرى بين المملكة المغربية وإسرائيل، واعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، مؤكدة أنّ قرار واشنطن كان صائباً في الاعتراف بمغربية الصّحراء لإنهاء أزمة مفتعلة طال أمدها.
واستهلت الصحيفة تقريرها، بالإشارة إلى أنّ إدارة ترامب، حققت نجاحا آخر في التوسط بين إسرائيل والعالم الإسلامي، تجسد في إعلانها الأخير عن إستئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
وأبرزت “نيوزويك”، أنّ الولايات المتحدة تستفيد بشكل كبير من العلاقات الجيدة بين اثنين من حلفائها القدامى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لذلك وافقت على الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة المتنازع عليها في الصّحراء.
وأضاف المصدر ذاته، أنه لا يوجد شيء غير مألوف في إضافة “مُحليات” إلى مثل هذه النوع من الصفقات، وعلى سبيل المثال، جعلت إدارة جيمي كارتر مصر واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات الأمريكية من خارج حلف الناتو نتيجة لاتفاقيات كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب.
بيد أنّ اعتراف أمريكا بالصحراء، يضيف التقرير، جعلها عرضة للهجوم من أولئك الذين دعموا منذ فترة طويلة السياسات غير الناجحة لحل النزاع.
وكتب كل من مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ووزير الخارجية السابق جيمس بيكر مقالتين افتتاحيتين ينتقدان فيهما خطوة الرئيس ترامب، وتدعي هذه الانتقادات أن الاعتراف هو خروج جذري عن السياسة الأمريكية ومعايير القانون الدولي، رغم أن هذه الإدعاءات لا أساس لها من الصحة.
أوضح تقرير الصحيفة، أنّ بعض المعلومات الأساسية في الافتتاحيتين مغلوطة، حيث أنّ “الصّحراء الغربية” لم تكن دولة مستقلة على الإطلاق، بل كانت مستعمرة إسبانية حتى عام 1975، عندما انهار الحكم الإسباني في نهاية نظام فرانكو، سيطر المغرب على الفور على الصّحراء.
وأضافت، أنه بينما كان الإسبان في طريقهم للخروج، أدى الأمر إلى صراع ثلاثي مع موريتانيا وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، بينما ساد المغرب الإقليم وأداره لصالحه.
ووصفت الأمم المتحدة وجود المغرب بأنه “احتلال” في قرارين، لكن غالبية من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، اتخذ موقفا أكثر غموضا، ووصف المنطقة بأنها “متنازع عليها” بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تدعي أنها تحكم دولة مستقلة تُسميها “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.
ولفت التقرير، أنّ الهجوم المزدوج على الصفقة من قبل بيكر وبولتون، مُصَممٌ لإعطاء فرصة لإدارة بايدن للتراجع عن الصفقة، والاستشهاد بمسؤولين جمهوريين كبار كدعم، لكن بيكر وبولتون بالكاد غير مهتمين بهذا الأمر.
وعمل بيكر كمبعوث خاص للأمم المتحدة في قضية الصّحراء، وكان مُؤلف أحدث خطة سلام فاشلة في المنطقة، “حل الدولتين” المعروف باسم خطة بيكر، بحيث عمل بولتون مع بيكر في هذه القضايا في وزارة الخارجية.
واستقال بيكر منذ 16 عاما مُحبطًا من عدم إمكانية التوصل إلى تسوية دبلوماسية بين المغرب وجبهة البوليساريو، وها هو اليوم يرفض محاولات المضي قُدمًا، فإذا كان الاستفتاء غير واقعي في ذلك الوقت، فهو أكثر من ذلك الآن.
ويُفضل بيكر أنْ تظل المنطقة عالقة في مأزق دبلوماسي إلى الأبد، ودَفع الولايات المتحدة للمضي قدما في جهود السلام الفاشلة، ومن المفارقات أنّ موقفه مشابه لمواقف معارضي السلام في الشرق الأوسط الذين يواصلون التشبث بحطام اتفاقيات أوسلو لأنهم حددوا حياتهم المهنية بالكامل حول هذا النموذج.
وألمح التقرير، إلى أنّ اعتراض بيكر الرئيسي هو أن الاعتراف “تراجع عن مبادئ القانون الدولي والدبلوماسية” دون أن يقدم حججًا قانونية محددة، لكنه يشير بشكل عام إلى حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، لكن هذه القاعدة تنطبق فقط على الأراضي التي تنتمي إلى كيان آخر ذي سيادة، وهو ما لم يفعله المغرب، فإسبانيا غادرت الإقليم، ولم يتم إنشاء دولة جديدة هناك.
وأضاف التقرير، أنّ الاعتراف بالسيادة المغربية لا يدعو ولا يشرعن الغزو الإقليمي، حيث إنّ فئة القضايا المتعلقة بأراضي ليس لها سيادة واضحة صغيرة ومغلقة، حيث ظهرت جميعها من فوضى إنهاء الاستعمار في الستينيات والسبعينيات.
كما أنه من غير الدقيق القول إنّ الدبلوماسية الأمريكية والقانون الدولي يحظران بشدة الاعتراف بالتغييرات الإقليمية القسرية، من ناحية، يعارض القانون الدولي العدوان ويكره مكافأته، ومن جانب آخر، فإن الدبلوماسية تتعامل مع الواقع، وليس مع المثل العليا.
وأبرز التقرير، أنّ الاعتراف بمثل هذه التغييرات الإقليمية قد لا يأتي بسرعة، فمن غير الواقعي أن نتوقع أن سيادة الدولة التي تحكم إقليما ما يمكن أن تُحرم إلى أجل غير مسمى.
وأضاف المصدر ذاته، أنه في نفس العام الذي أرجع فيه المغرب صحراءه ، اجتاحت فيتنام الشمالية كامل دولة فيتنام الجنوبية، ولا تستمر الولايات المتحدة في الاعتراف بفيتنام الجنوبية ككيان منفصل أو تتعارض مع سيادة هانوي هناك.
وبالمثل، اعترفت الولايات المتحدة وبقية العالم بالتغييرات الإقليمية القسرية الأخرى، مثل استيلاء الهند على جوا البرتغالية عام 1962 والأراضي الأخرى، لأن في مثل هذه الحالات، كان جاذبية الواقع أكبر من أن تقاوم.كما أن الاعتراف بالسيادة المغربية ليس خروجا جذريا عن السياسة الأمريكية السابقة. بل هو تطور حكيم لها، يردف التقرير.
ولم ترفض الولايات المتحدة مطلقًا المطالب المغربية الإقليمية، وتحدثت بالفعل بشكل إيجابي عن خطة قدمتها الرباط من شأنها أن تبقي الصحراء المتنازع عليها تحت سيادتها من خلال الحكم الذاتي، وهو بالضبط ما أيده ترامب رسميا.
وأيد مسؤولو وزارة الخارجية في إدارة بوش مفهوم الحكم الذاتي، ثم تأكد ذلك في بيان مشترك صدر عام 2013 من طرف العاهل المغربي، لا يقل إعجابه بالقانون الدولي كما قال الرئيس أوباما نفسه، “لقد أوضحت الولايات المتحدة أن خطة الحكم الذاتي المغربية جادة وواقعية وذات مصداقية”.
واسترسل التقرير، أن مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية قرروا هذا الرأي في سنة 2016، بعد أن أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، على أنها “محتلة” قبل أن يعتذر بسرعة ويدعي أنه لم يقصد قول ذلك عمدا.
ويعترف بولتون بأن جهود السلام كانت فاشلة من طرف الأمم المتحدة”، وهو يعترف بأنه حتى البيروقراطيين في وزارة الخارجية عارضوا مبادرة بيكر، ويجب أن يترك ذلك بايدن أقل حماسا للدعوة إلى التراجع عن اعتراف ترامب والعودة إلى 30 عاما من الفشل.
وخلص التقرير، إلى أنّ بولتون يوبخ ترامب لأنه “يهدد حتى التحالفات الطويلة الأمد” و”تدمير الالتزامات”، لكنه بعد ذلك دعا بايدن لفعل ذلك بالضبط، من خلال خيانة التزامات الولايات المتحدة تجاه المغرب، ويجب على الرئيس المنتخب أن يرفض مثل هذه النصيحة المتهورة.
تعليقات الزوار ( 0 )