شارك المقال
  • تم النسخ

صيام يوم عرفة … الثلاثاء أو الأربعاء؟ وهل يسوغ صيام اليومين معا كما هو صادر عن شيوخ مالكيين؟!

يوافق التاسعُ من ذي الحجة هذه السنة (1444هـ) يومَ الثلاثاء في المملكة العربية السعودية وكثير من الدول العربية والإسلامية، ويوافق يومَ الأربعاء في المملكة المغربية ودولة أو دولتين من العالم الإسلامي.

هذا التمايز يضع كثيرا من المغاربة في حيرة، ويفرض عليهم التساؤل عن اليوم الأحق بفضيلة صوم عرفة، وقد تفاعل مع هذا التساؤل كثير من شيوخ المغرب ووعاظه من خلال منشورات وخطب وغيرهما، وقد سمعت تخريجة لبعضهم يفتي من خلالها بصوم اليومين معا للخروج من الخلاف، ومنهم من مال إلى ربط الصيام بمعيار الزمن فقال بصيام الأربعاء التاسع من ذي الحجة في التقويم المغربي، ومنهم من ربطه بمعيار المكان فقال بصيام الثلاثاء حيث يقف الحجاج بمكان واحد لا ثاني له وهو المعروف بجبل عرفات وما يحيط به من الموقف.

والذي أراه في هذه النازلة؛ ما دام أن الحكومات الإسلامية لم توحد بعد الزمان الإسلامي؛ أن صوم يوم عرفة ليس مرتبطا بالزمان فقط، وليس مرتبطا بالمكان فقط، بل هو مرتبط بزمان ومكان وفعل.

الزمان هو التاسع من ذي الحجة الحرام.

المكان هو جبل عرفات الحرام.

الفعل هو وقوف الحجاج في عرفات.

وحيثما وقع الاجتماع بين هذه العناصر تحقق حكمان شرعيان متعارضان، وهما كراهة صيام واستحبابه، الأول للحجاج الواقفين بعرفات، والثاني لعموم المسلمين غير الحجاج.

لماذا ارتبط الصيام بهذه الثلاثية وليس بما دونها؟

حين يجتمع الزمان والمكان والفعل، يقع الآتي:

** يباهي الله تعالى بالحجاج ملائكته الكرام، وهذه منقبة عظيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا”.

** تحقق المغفرة العامة لأهل الموقف، وهذه منقبة ثانية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم عرفة فإن الله تعالى يقول: إني قد غفرت لهم” أي: للحجاج، وفي حديث آخر: “اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج”.

** العتق من النار، وهذه منقبة ثالثة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟”.

** الدنو الإلهي المذكور في الحديث السابق، والمذكور في حديث أخر بلفظ النزول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء”، وهذا النزول أو الدنو هو التجلي الإلهي على عباده بما يناسب طاقتهم ويلائم قدرتهم، وهذه منقبة رابعة.

** الحزن الشديد لإبليس، وهذه منقبة خامسة، وقد ورد في حديث مرسل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما رئي الشيطان يوما أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام، إلا ما رأى يوم بدر”، وقد علق ابن عبد البر على هذا الحديث بقوله: “هذا حديث حسن”، ولا يقصد به الحسن الاصطلاحي، بل يقصد كعادة الأندلسيين حُسن معناه.

هذه المناقب مجتمعة لا تتوافر إلا في هذا اليوم الأغر العظيم، وهي مناقب تستحق أن يُشكر الله تعالى لأجلها، فنُدب الصوم شكرا لله تعالى وتعظيما لهذا اليوم العظيم، فكان جزاء الصائمين مثل جزاء الواقفين بعرفة، وهو المغفرة وتكفير الذنوب أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن صوم يوم عرفة: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.

أما صيام يوم الأربعاء هذه السنة فإنه لا يتوافق مع وقوف الحجاج، وبالضرورة فإنه لا يتوافق مع التجلي الإلهي ومع المغفرة العامة ومع العتق من النار ومع غيظ الشيطان، فلماذا سيكون الصيام؟

لهذه الاعتبارات، فإننا نرجح أن يكون الصيام في اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة، وقديما قيل: يوم عرفة هو اليوم الذي يُعَرِّفُ فيه الحجاج.

أما القول بصوم اليومين معا، فقول مستغرب جدا، خصوصا أنه صادر عن شيوخ مالكيين، ومن أصول المذهب: سد الذرائع، وهو الأصل الذي تميز به، وبإعمال هذا الأصل فإننا لا نقول بجواز صوم يوم الأربعاء؛ بله استحبابه؛ سدا لذريعة الوقوع في صيام العيد، وهو صيام محظور. والله أعلم.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي