تشهد الساحة العسكرية المغربية حالياً سباقاً محتدماً بين شركتين من كبريات شركات تصنيع الطائرات في العالم، هما Embraer البرازيلية وLockheed Martin الأمريكية، وذلك للفوز بصفقة تزويد سلاح الجو الملكي المغربي بطائرات نقل عسكري، تبلغ قيمتها أكثر من 600 مليون دولار، بحسب ما كشفته مصادر متخصصة في الصناعة الدفاعية.
Embraer كانت الأوفر حظاً… لكن أمريكا لم ترفع الراية
وكانت شركة Embraer البرازيلية في وضع شبه مريح، وتُعتبر المرشّح الأقرب للفوز بالصفقة، خاصة بعد أن قدّمت طائرتها C-390 Millennium، التي أثبتت كفاءتها في مهام النقل العسكري والدعم اللوجستي في عدة بلدان حول العالم، من بينها البرازيل والبرتغال والمجر.
وتجمع الطائرة بين التكنولوجيا المتقدمة والقدرة على العمل في ظروف ميدانية قاسية، ما يجعلها خياراً مغرياً للقوات الجوية المغربية التي تسعى إلى تحديث أسطولها في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة.
غير أن عملاق الصناعات العسكرية الأمريكية Lockheed Martin لم يستسلم. بل على العكس، دخل بقوة على خط الصفقة، معوّلاً على طائرته المخضرمة C-130J Super Hercules، وعلى ما يبدو، لجأت الشركة الأمريكية إلى وزارة الخارجية الأمريكية لحشد دعم دبلوماسي رسمي يمكن أن يرجّح كفتها في مفاوضات البيع.
الرهانات الجيوسياسية والضغط الأمريكي
وتتجاوز المنافسة بين الشركتين البعد التجاري إلى أبعاد جيوسياسية واضحة، حيث تعتبر الولايات المتحدة المغرب حليفاً استراتيجياً غير عضو في حلف شمال الأطلسي (NATO)، ما يمنح واشنطن مصلحة مضاعفة في الحفاظ على هيمنتها على سوق السلاح المغربي، خصوصاً مع التقارب الملحوظ بين الرباط وعدد من القوى الصاعدة، من بينها الصين والبرازيل وتركيا.
وتسعى واشنطن، عبر دعم Lockheed Martin، إلى منع توغل الصناعة الدفاعية البرازيلية في شمال إفريقيا، خصوصاً في بلد يعتبر من أكثر الشركاء ثباتاً للغرب في المنطقة، في ظل تزايد الانفتاح المغربي على التنويع في مصادر تسليحه.
المغرب بين التكنولوجيا والتوازنات
من جانبه، يواصل المغرب سياسة تنويع الشركاء العسكريين دون التخلّي عن تحالفاته التقليدية. ويفاضل حالياً بين مزايا التكنولوجيا المتقدمة والمرونة التشغيلية التي توفرها طائرة Embraer، وبين شبكة الدعم اللوجستي والعلاقات العسكرية العميقة التي توفرها Lockheed Martin عبر طائرتها C-130J، التي يستخدمها المغرب بالفعل منذ سنوات.
ويرى مراقبون أن القرار المغربي لن يكون محضاً فنياً أو مالياً فقط، بل سيراعي أيضاً التوازنات السياسية، ودرجة الاستقلالية الاستراتيجية التي ترغب الرباط في تعزيزها خلال السنوات المقبلة، خصوصاً في ظل التوتر الإقليمي المتزايد، وسباق التسلح في المنطقة المغاربية.
صفقة استراتيجية بأبعاد متعددة
وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي، فإن الصفقة ستكون من بين أكبر صفقات النقل العسكري الجوي في تاريخ سلاح الجو المغربي، ما سيعزز قدراته على نشر القوات والعتاد بسرعة عبر مسافات طويلة، سواء في الداخل أو عبر مهمات حفظ السلام والدعم اللوجستي في إفريقيا.
كما أنها ستشكّل اختباراً حقيقياً لمدى قدرة الرباط على اللعب على حبال المصالح الدولية، والحفاظ على توازناتها بين القوى الكبرى، في وقت تتعاظم فيه أهمية المغرب في المعادلات الجيوسياسية الإقليمية والدولية.
تعليقات الزوار ( 0 )