تشهد المكتبات الجامعية المغربية في السنوات الأخيرة تراجعًا مقلقًا في أدوارها التربوية والمعرفية، وسط مؤشرات واضحة على فقدانها لجاذبيتها لدى فئة الطلبة والأساتذة على حد سواء.
هذا ما أثاره السؤال الكتابي الذي وجهه النائب البرلماني عمر أعنان عن الفريق الاشتراكي إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والذي لم يُجب عنه بعد، حول “تدهور وضعية المكتبات الجامعية وتراجع أدوارها المعرفية”.
وتحولت المكتبات التي كانت يومًا القلب النابض للجامعة ومحرّك البحث العلمي، تدريجيا إلى فضاءات صامتة يُقصدها الطلبة فقط من أجل المراجعة أو المكوث بين الحصص، دون تفاعل فعلي مع الكتب والمراجع المتوفرة على رفوفها.
وباتت ظاهرة عزوف الطلبة عن استعارة الكتب شبه عامة، وتكاد تختفي ممارسة القراءة التحليلية لصالح النسخ الحرفي لبحوث نهاية التكوين، دون إنتاج معرفي أو تفكير نقدي.
ويُرجع أعنان هذا التراجع إلى عدة عوامل متشابكة، أهمها غياب التوجيه الأكاديمي من طرف عدد كبير من الأساتذة، الذين لا يقدمون لطلبتهم لوائح مراجع علمية معتمدة، ولا يشجعونهم على استخدام المكتبة كوسيلة معرفية فعالة، بل يكتفون بتوزيع مطبوعات دراسية تحولت إلى المصدر الوحيد المعتمد للتحضير للامتحانات، ما أفرغ العملية التعليمية من بعدها التكويني العميق.
ورغم بعض المبادرات الإيجابية التي أقدم عليها رؤساء عدد من المؤسسات الجامعية عبر إنشاء مكتبات رقمية، لمواكبة التحولات الرقمية ومراعاة أنماط التعلم الجديدة، إلا أن هذه الجهود تظل جزئية ومحدودة الأثر، في ظل غياب رؤية بيداغوجية شاملة تجعل من الأستاذ حلقة وصل أساسية بين الطالب والمعلومة، سواء كانت ورقية أو رقمية.
ويرى أعنان أن هذا الوضع لا يهدد فقط جودة التكوين الجامعي، بل يمس بشكل مباشر مبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى المعرفة، ما يستدعي من الوزارة الوصية إجراءات عاجلة لإعادة الاعتبار للمكتبات الجامعية، وتأهيلها لتكون منارات حقيقية للمعرفة والإبداع، لا مجرد بنايات جامدة.
وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى مدى تجاوب الوزارة مع هذا النداء البرلماني، في أفق بلورة سياسة تعليمية جديدة تعيد دمج المكتبة الجامعية في سيرورة التعلم، وتضعها في صلب الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي.
تعليقات الزوار ( 0 )