Share
  • Link copied

صراع السيادة على بوابتي أوروبا وإفريقيا: هل يقترب المغرب من استعادة سبتة ومليلية في ظل تآكل قدرة إسبانيا الدفاعية وتغير موازين القوى؟

في الوقت الذي يواصل فيه المغرب تعزيز قدراته العسكرية وترسيخ مكانته كقوة إقليمية صاعدة، أعادت وسائل إعلام إسبانية طرح السؤال القديم الجديد: هل بدأ المغرب فعليًا في التمهيد لاستعادة مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين؟ وهل لا تزال إسبانيا قادرة على الدفاع عن “خطها الأحمر” في ظل تصاعد الأزمات الأوروبية وتنامي النفوذ المغربي؟

السياق التاريخي: ذاكرة استعمارية لم تُغلق

سبتة ومليلية، المدينتان الواقعتان في شمال المغرب، خضعتا للسيطرة الإسبانية منذ قرون؛ مليلية منذ سنة 1497 وسبتة منذ 1580، حين انتقلت من البرتغال إلى التاج الإسباني.

ومنذ استقلاله عام 1956، ظل المغرب يعتبر المدينتين جزءًا من ترابه الوطني غير المستكمل السيادة عليه، ضمن رؤية مناهضة للاستعمار تسعى لإنهاء آخر “بقاياه” على الأرض المغربية.

رغم ذلك، تصر مدريد على اعتبار سبتة ومليلية “جزءًا لا يتجزأ من التراب الإسباني”، وتعزز وجودها العسكري والإداري فيهما، مستندة إلى ما تعتبره “شرعية قانونية” ودعمًا أوروبيًا وأطلسيًا.

سباق التسلح وتغير موازين القوة

المعطيات التي نقلتها الصحافة الإسبانية، أخيرا، تكشف عن تحولات لافتة في ميزان القوى. فقد عمل المغرب على مدى العقد الأخير على تحديث ترسانته العسكرية بشكل ملحوظ، عبر اقتناء أسلحة متطورة من دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا، وصولاً إلى طائرات مُسيّرة وأنظمة صواريخ HIMARS، مما منح القوات المسلحة الملكية قدرات جديدة على المناورة والردع.

ورغم أن المغرب لا يُظهر نوايا عدوانية مباشرة، إلا أن مناوراته العسكرية قرب سبتة ومليلية وتصريحات مسؤوليه حول “استمرار الاحتلال” ترسل رسائل سياسية واضحة.

ووفقاً لمراقبين، لا يبدو أن المغرب يخطط لعمل عسكري مباشر، بل قد يراهن على “استراتيجية هجينة” توظف الضغط السياسي، والمناورة الدبلوماسية، وأحيانًا أوراق الهجرة والتجارة.

إسبانيا بين خط الدفاع الأوروبي واستنزاف الموارد

وفي المقابل، تجد إسبانيا نفسها أمام معادلة معقدة. فهي من جهة، تعتمد على دعم الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لضمان سيادتها على المدينتين المحتلتين، ومن جهة أخرى، تواجه تحديات متزايدة بفعل مشاركتها في النزاع الأوكراني، مما أضعف احتياطاتها العسكرية.

وقد عبرت شخصيات أوروبية عن قلقها من أن الدعم العسكري المتواصل لأوكرانيا “يستنزف الموارد الدفاعية”، في وقت تزداد فيه التهديدات على أطراف أوروبا، ومنها الجنوب المتوسطي.

وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبليس، نفسها أقرت بأن الالتزامات الخارجية “أثرت سلبًا على جاهزية القوات الإسبانية”.

الأبعاد الجيوسياسية: تحولات في التحالفات

وما يعزز موقف المغرب في هذه المعادلة هو ديناميكيته الدبلوماسية الجديدة. فمن خلال التقارب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحسين علاقاته مع عدد من القوى الغربية، يبدو أن الرباط تحاول كسب نقاط استراتيجية في ملف سبتة ومليلية.

وهي رسائل تفهمها مدريد جيداً، خاصة مع توتر العلاقات في السنوات الأخيرة، لا سيما خلال أزمة استقبال زعيم جبهة البوليساريو في إسبانيا عام 2021.

وفي ظل غموض موقف الاتحاد الأوروبي من تدخل محتمل لحماية سبتة ومليلية، خاصة أنهما لا تدخلان بشكل واضح تحت مظلة الدفاع الجماعي لحلف الناتو، يزداد القلق في الأوساط الإسبانية بشأن جدوى الاعتماد على الحلفاء الأوروبيين في مواجهة سيناريو تصعيد مغربي متعدد الأبعاد.

المغرب وسيناريو الضغط غير المباشر

وتاريخياً، أظهر المغرب قدرة على توظيف أدوات غير تقليدية في إدارة خلافاته مع مدريد، أبرزها ملف الهجرة. ففي أكثر من مناسبة، أدى تراخي الرباط في ضبط حدودها إلى موجات تدفق جماعية نحو المدينتين، ما اعتبرته إسبانيا رسائل سياسية موجهة.

ومع تعاظم النفوذ المغربي في إفريقيا، ونجاحه في استقطاب استثمارات وشراكات دولية، تزداد قدرته على فرض رؤيته لقضاياه الإقليمية، وعلى رأسها قضية الصحراء وملف سبتة ومليلية.

نحو تصعيد أم تسوية؟

ويبقى مصير سبتة ومليلية مرهونًا بتحولات معقدة في موازين القوى، وبطبيعة العلاقة المغربية الإسبانية في قادم السنوات. فالمغرب لم يُخفِ يومًا تطلعه إلى “استكمال وحدته الترابية”، بينما ترى إسبانيا في المدينتين خطًا أحمر لا يمكن التنازل عنه.

وبين تصاعد القوة المغربية وتآكل الجاهزية الدفاعية الأوروبية، قد تتحول هذه البؤرة الجغرافية الصغيرة إلى ساحة اختبار جديدة لعلاقات ضفتي المتوسط، ولمفهوم السيادة في زمن الأزمات المتعددة.

Share
  • Link copied
المقال التالي