كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في تقرير مطوّل عن ما وصفته بـ”الجنون الاستبدادي” للرئيس التونسي قيس سعيّد، مشيرة إلى تدهور مقلق في وضع الحريات العامة وحقوق الإنسان في البلاد، في ظل موجة اعتقالات وأحكام وصفت بالقاسية ضد شخصيات معارضة بارزة.
وجاء هذا التقرير في أعقاب صدور أحكام يوم 19 أبريل بحق أكثر من أربعين متهماً في ما وُصف بـ”قضية التآمر على أمن الدولة”، تراوحت بين 13 و66 سنة سجناً، وشملت صحافيين ومحامين ورجال أعمال ونشطاء، بتهم خطيرة منها “تكوين تنظيم إرهابي”، و”التحريض على الحرب الأهلية”، و”زعزعة أمن البلاد”.
منذ انتخابه رئيسًا في 2019، ثم إعادة انتخابه بنسبة تجاوزت 90% في انتخابات أكتوبر 2024 التي وُصفت بأنها “بنسبة جمهوريات الموز”، يمضي قيس سعيّد في تكريس سلطته المطلقة عبر سلسلة من الإجراءات التي أضعفت المؤسسات الدستورية والسلطة القضائية، وأقصت المعارضة من الحياة السياسية.
وقد حلّ البرلمان، وعلّق العمل بجزء كبير من الدستور، وعين نفسه مشرّعًا وقاضيًا، في مشهد يذكر بحقبة ما قبل الثورة التونسية.
السلطة القضائية، التي يفترض أن تكون حصنًا للعدالة، باتت اليوم، بحسب منظمات حقوقية دولية، أداة لتصفية الخصوم السياسيين، حيث باتت المحاكم تُستخدم لتكميم الأفواه وترهيب كل من يعارض السلطة.
التهم الموجهة للمعارضين، كما تقول لوفيغارو، تُذكّر بممارسات الأنظمة الشمولية، وتضرب مبدأ المحاكمة العادلة في مقتل، مما يُنذر بانهيار متسارع لمكاسب الديمقراطية التي حلم بها التونسيون منذ 2011.
في السياق المغاربي، يُنظر لما يجري في تونس كجرس إنذار. فالسياق الإقليمي لا يخلو من توترات سياسية ومخاطر ارتداد على التجارب الديمقراطية، ما يجعل الوضع التونسي محط اهتمام كبير في المغرب، خصوصًا من جانب المجتمع المدني والنخب السياسية التي تعتبر التجربة التونسية مرآة تعكس هشاشة الانتقال الديمقراطي في المنطقة برمتها.
ففي الوقت الذي تكرّس فيه الرباط نموذجًا قائمًا على التعددية والمؤسسات الدستورية، تبرز تونس اليوم كحالة نكوص سياسي خطير، تنبّه إلى خطورة الانزلاق نحو السلطوية تحت ذريعة “محاربة المؤامرات” أو “الدفاع عن السيادة”.
تبقى الأسئلة قائمة حول مدى قدرة الشارع التونسي والمجتمع المدني على كبح جماح هذا التراجع الديمقراطي، في ظل غياب توازن سياسي وغياب رد فعل حاسم من المجتمع الدولي، الذي يبدو منشغلاً بأولويات جيوسياسية أخرى.
ويبقى التحدي الأكبر، كما ترى لوفيغارو، هو استعادة روح الثورة التي أشعلت الربيع العربي، قبل أن تنطفئ شعلة الحريات على يد من جاء بدعوى “تصحيح المسار”.
تعليقات الزوار ( 0 )