Share
  • Link copied

سيدي سليمان بين كماشة الفساد ويد التغيير: هل تكفي يقظة العامل لكشف المستور؟

في قلب إقليم سيدي سليمان، حيث اختلطت خيبات التنمية بمرارة الواقع اليومي، برزت الحاجة الملحة إلى دور فعال وفعلي للأجهزة المكلفة بالمراقبة والتتبع وكشف الفساد، وعلى رأسها رؤساء أقسام الشؤون الداخلية بالعمالات، ورؤساء مصالح الاستعلامات العامة ومراقبة التراب الوطني. هؤلاء يشكلون العين الساهرة على احترام القانون داخل الإقليم، وهم المفروض أن يكونوا في طليعة الصفوف المواجهة لكل أشكال الانحراف والفساد والأنشطة غير المشروعة التي تنمو في الظل وتقتات من ضعف الرقابة أو تواطؤ بعض المسؤولين.

إقليم سيدي سليمان لا يخفي جراحه، فقد نُهشت التنمية فيه لصالح شبكات المصالح، وتحول إلى عنوان لإخفاقات مركبة، مما يدفع إلى التساؤل: هل يعود ذلك إلى غياب النجاعة الأمنية والميدانية لهذه الأجهزة، أم أن المسؤولية تقع على عاتق المسؤولين الترابيين السابقين الذين وُضعت بين أيديهم تقارير ومعطيات ولم يحركوا ساكناً؟ الحقيقة أن التواطؤ مع الفساد، بالصمت أو بالتجاهل، هو وجه آخر من وجوه الجريمة المؤسساتية التي تؤخر عجلة التنمية وتعصف بثقة المواطن في الدولة.

تقارير إعلامية وصحفية عدة نبهت إلى اختلالات خطيرة عاشها الإقليم، وصلت حد الحديث عن تجنيد شباب من الإقليم في بؤر التوتر بسوريا والعراق، وهو مؤشر على هشاشة المتابعة الأمنية حينذاك، وعلى تغلغل فكر متطرف في ظل بيئة اجتماعية واقتصادية قابلة للاختراق. كما تحدثت هذه التقارير عن اختلالات رافقت مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومشروع “أوراش”، مما يطرح علامات استفهام حول آليات التتبع والمحاسبة ومدى التزام الجهات المسؤولة بحماية المال العام وتوجيهه لخدمة الساكنة.

الأخطر من ذلك، هو ما تفجر من قضايا ترتبط بتفويت مئات الهكتارات من أملاك الدولة، والعقارات السلالية، والتي تحولت في كثير من الحالات إلى صفقات مشبوهة لفائدة شركات وأشخاص نافذين، بأساليب تتعارض مع مبدأ الشفافية والعدل، وهو ما يحتم العودة إلى كل محاضر ودفاتر تحملات هذه التفويتات لإعادة فحصها وربما ترتيب المسؤوليات بشأنها.

غير أن التغيير لا يأتي من فراغ، ومنذ تعيين إدريس الروبيو عاملاً على الإقليم، بدأ الحراك الجاد يفرض نفسه. فالرجل، ومنذ أيامه الأولى، شرع في تفكيك شبكات المصالح التي تجذرت داخل العمالة، وأقدم على إعفاء عدد من المسؤولين الذين كانت تلاحقهم الشبهات، معيداً ترتيب العلاقات داخل المؤسسة على أساس من الكفاءة والنزاهة، لا على الولاءات والمصالح.

ما قام به إدريس الروبيو يتجاوز مجرد اتخاذ قرارات إدارية، بل شكل بداية لعملية تطهير حقيقية لإدارة ترابية ظلت، لسنوات، رهينة لأجندات بعض المنتخبين الذين استباحوا حرمة المرفق العمومي وجعلوا من بعض المسؤولين أدوات لتنفيذ طموحاتهم الشخصية.

العامل الجديد أظهر من الحزم والحنكة ما جعله يميز بدقة بين الفاعلين الحقيقيين في الحقل المدني والإعلامي، ممن يسعون لتنمية الإقليم بصدق، وبين الطفيليات التي تتغذى على الدعم العمومي والامتيازات دون تقديم أي قيمة مضافة.

ومع ذلك، فإن مسار التصحيح لن يكتمل ما لم تتم مراجعة شاملة لكل الملفات والأرشيفات الموضوعة في أقسام الشؤون الداخلية والشؤون القروية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لأن البناء لا يمكن أن يقوم على أرض رخوة أو على معطيات مزيفة. ربط الحاضر بالماضي ضرورة لتصحيح المسار، والإقليم في أمس الحاجة إلى ذاكرة مؤسساتية تُستحضر فيها كل الاختلالات السابقة حتى لا تتكرر الأخطاء ولا يفلت المتورطون من المحاسبة.

سيدي سليمان أمام فرصة جديدة، وفرصة نادرة، لكنها تحتاج إلى نفس طويل وإرادة سياسية صلبة، والأهم إلى يقظة مؤسساتية حقيقية من طرف كل الأجهزة التي تمثل سلطة الدولة في الميدان.

Share
  • Link copied
المقال التالي