يحكي السيد سلمة بن سيدي مولود بن إيراهيم المقاوم الصحرواي، والعضو السابق في جيش التحرير جنوب المغرب، فصولا من حياته حول تأسيس جيش التحرير، حيث يقص لجريدة “بناصا” أهم الأحداث التي شهدها وعاشها عن كثب.
ويعتبر السيد سلمة بن سيدي مولود بن أبراهيم، والمولود عام 1927 بالساقية الحمراء، أحد اعضاء جيش التحرير الذي شهد فترة النشأة تم عاصر تفكك هذا الجيش.
نفاذ الطعام
لم تساعدنا وعورة الجبل و الظلام تلك الليلة في بلوغ “كدية” “تنزاك” التي أردناها ان تكون نقطة التقاء. فبالكاد تجاوزنا مقطع “فَمْ جَوْلْ” فجرا.
“فم جول” مقطع رملي بين الجبال، يمر منه الطريق النازل من الجبل الذي تتموضع على سطحه مدينة “أطار”. و يربط “أطار” ببقية مدن موريتانيا.
تجمعنا في طرف “كدية تَكٌَلْ” الشمالي الموالي لمقطع “فم جول”. و قد بات الصبح قريب.
يوم 16 فبراير أصبحنا في حالة سيئة للغاية، و قد بتنا نواجه عدوا جديدا لم يكن في الحسبان. فقد تركنا كل مؤونتنا الليلة الماضية بعدما فقدنا الجمال، و حالت وعورة الجبل و الظلام دون وصولنا للمكان المتفق عليه في جبل “تَنْزاكْ”، الذي كنا ننوي الانطلاقة منه لمهاجمة القاعدة الفرنسية في ساعات الصباح الأولى. فأصبحنا مرهقين من إعياء المسير الطويل في الظلام في تضاريس وعرة، و الجوع و هم فقدان الزاد.
انعكس ذلك على معنويات الكثيرين، فبدوا شاردين مسندين رؤوسهم إلى بنادقهم، مطبقين قبضاتهم عليها، فهي كل ما تبقى لهم من زاد. و قلة منا من أصحاب العزائم استمروا نشطين.
ولم يدخر القادة جهدا في تشجيعنا على الصبر و التحمل، مذكريننا بالصحراء الشاسعة التي عبرنا، و مئات الكيلمترات التي قطعنا بعزيمة و نشاط من أجل هدف بتنا نراه رأي العين.
كان من المحتم أن نظل ذلك النهار مختبئين في الجبل حتى لا ينكشف أمرنا. و أصبح لزاما علينا ان نفكر في طريقة نحصل بها على طعام، فلم نحمل معنا الليلة الماضية غير أسلحتنا و الذخيرة.
بدأ التفتيش بين الجنود عن من يصلح لمهمة الذهاب للبحث لنا عن طعام، و كان الجميع قد حلق شعره و لحيته على الطريقة العسكرية. و هيئتنا اقرب للجنود منها للمدنيين.
من حسن الحظ كنت أنا و”غوثاه ولد أعبيد الله” الدليمي، الوحيدين في الجيش من لم يحلق شعره، وما زال شعرنا يصل إلى الكتف من مجموع الـ”147″ التي جئنا فيها.
فتم اختيارنا لمهمة الذهاب الى “تيارت” أو “أطار” إن تطلب الامر لشراء ما يقتات به الجنود.
ذهبت أنا و”غوثاه ولد عبيد الله” بعد ان غير “الكندورة” العسكرية بلباس مدني، للبحث عن طعام.
نزلنا من الجبل إلى “تيارت” حيث عثرنا على أشخاص من قبيلة “الطرشان” لديهم ماعز.
اشترينا منه عشرة رؤوس. و أحضرنا معنا اثنين من أصحاب الغنم حتى تقرر القيادة بشأنهم. هل تطلب منهم المزيد أم نتركهم لحال سبيلهم.
ذبحنا رؤوس الغنم العشرة في الحين، فلم نتناول طعاما منذ قرابة 24 ساعة، و زادنا جهد المسير. و لم تكن كافية لإطعام الجميع.
طلب القادة من الرجلين الذين احضرناهما معنا ان يعودا و يشتريا لنا مزيدا من الطعام، و المؤن، و سلموهما مبلغا من المال.
وضعنا حراسات في جميع الاتجاهات بعد مغادرتهما، و بقينا في مكان تمركزنا ننتظر عودتهما، حتى غربت الشمس و لم يأتيا.
أمرت القيادة بتغيير موقعنا تلك الليلة احتياطا من أن يشي بنا الرجلين. و سرنا عبر سطح الجبل نتقدم نحو “أطار”. فقد كان استمرار سماعنا لأصوات قصف المكان الذي حصل فيه الاشتباك منذ يومين، يشجعنا على المضي قدما، على اعتبار أننا لم نكشف بعد.
في طريقنا تلك الليلة تصادفنا مع “حرطانيين” (رجلين اسودين) يحملان حزما من الحطب، أوقفناهم خشية الوشاية بنا، لكن القادة قرروا الإفراج عنهم و تركهم لحال سبيلهم. فقد قالوا ان تعليمات السلطان تقضي بان لا نمس أي مسلم بسوء، حتى ولو كانوا مجندين مع النصارى و أحرى بالمدنيين.
يُتبع
تعليقات الزوار ( 0 )