يعتبر فصل الشتاء محبوباً لدى أغلب المغاربة، لاسيما في الأوساط القروية، التي يعتمد نشاطها الاقتصادي على الفلاحة، إلا أن، فئة واسعة أخرى، من سكان البوادي، لا يحبذون هذه الفترة من السنة، لأن معاناةً قديمةً تعود لتؤرق بالهم، وتهدّد حياتهم من جديدٍ.
يعيش سكان البوادي المغربية ممن لا زالوا يقطنون في المنازل الطينية، أحلك أيامهم خلال فصل الشتاء من كل سنة، بسبب تسرب مياه الأمطار، إضافة إلى هاجس سقوط السقف في أي لحظة، ومع بدء “الهطول” خلال الأسبوع الماضي، عاد من جديد شبح الانهيار المفاجئ.
“لا يمكن أن نتنبأ بما قد يقع، سبق وسقط السقف في أحد في بيت بمنزلنا، ولحسن الحظ لم يكن وقتها أحد به”، يقول محمد (اسم مستعار)، القاطن بجماعة سيدي بوتميم، ضواحي تارجيست، بإقليم الحسيمة، والذي تعود الكوابيس لتطارده كل شتاء.
يروي محمد لـ”بناصا”، الذي يشتغل مياوماً، ويقطن بمنزل ترابيّ، ورثه عن والده المتوفي، بأنه يعيش “الرعب، لا أستطيع التركيز في عملي حين تتهاطل الأمطار، تأتيني كوابيس مخيفة، بأن يسقط السقف على أبنائي وزوجتي، ويقضوا نحبهم تحت الأنقاض”.
ويتابع محمد، الذي أوشك على إتمام سنته الخمسين، بأن “معاناتنا لا يُمكن تصورها. أحاول أن أجمع بعض المال، من أجل البناء، بدءاً بغرفة، ثم بعدها شيئاً فشيئاً، إلى أن أنتهي من المنزل كاملاً”، قبل أن يسترسل وعيناه مغرورقتان بالدموع: “هناك من يحلم بسيارة، وآخر بفيلا، وثالث بأن يسافر إلى جميع أنحاء العالم، وأنا، حلمي لا يتجاوز منزلاً محترماً لا أخشى سقوطه خلال الأمطار”.
غير بعيد عن حيث يقطن محمد، بالجامعة القروية ذاتها، خرجت خديجة (اسم مستعار)، مسرعةً، مباشرةً بعد بدء تساقط الأمطار، حاملةً غطاءً بلاستيكيا ضخماً، حيث صعدت عبر سلم خشبي، إلى السطح، وشرعت في تغطيته به، تفادياً لتسرب المياه إلى البيوت.
خديجة أوضحت للجريدة بأنها اعتادت على القيام بنفس العملية، طوال فصل الشتاء، وكل سنة، “لأنها إن لم تفعل ذلك، فسيبدأ الماء بالتسرب والوصول إلى الأفرشة داخل البيت، ما من شأنه أن يتركنا من دون نوم”، مردفةً: “المسألة لا تنتهي هنا، لأنه يتوجب عليه الانتباه للغطاء البلاستيكي، في حال امتلأ بالماء من جهة دون أخرى، فعلي إفراغه”.
وأشارت المتحدثة السابقة، إلى أن زوجها يعمل في منطقة قريبة، ولا يأتي يوميا، الأمر الذي يجعلها المسؤولة عن وضع غطاء البلاستيكي حين تتهاطل الأمطار، منبهةً: “المعاناة لا تنتهي بوضعه، بل ننقصها فقط، لأن الماء يتسرب إلى المنزل عبر البهو (المساحة الفارغة التي تكون في وسط المساكن التقيليدية)”.
وفي سياق معاناة سكان البيوت الطينية، يحكي حسن، الذي عاش لأكثر من عقد من الزمن داخل بيت طيني بجماعة أولاد داوود الزخانين، التابعة لإقليم الناظور، بأن الوضعية “كارثية للغاية، لا يمكن أن تتصور حجمها. الآن وأنا أعيش في بيت محترم بالمدينة، أشعر بالنعمة العظيمة التي يفتقدها سكان المنازل الترابية”.
واسترسل حسن في حديثه لـ”بناصا”: “في الوقت الذي يستمتع به الشخص بهطول الأمطار، وهو يشرب فنجان قهوة أو كأس شاي، ويطل من النافذة على السيول الجارية بالزقاق أو الشارع المجاور، هناك أشخاص، لا يملكون مأوى غير بيت من طين، يُسرب المياه في الشتاء، ويُهدد حياة قاطنيها، ولا يمكن لأي إنسان أن يرتاح داخلها، ومن يعيش بها، مضطرّ، لأن ظروفه لا تسمح له بتوفير بديلٍ”.
تعليقات الزوار ( 0 )