“حرك الما يبان العطشان.” هكذا تقول الحكمة الشعبية المغربية، وكأنها تلخص ببساطة فلسفة الصبر الممزوجة بالسخرية. في زايو، المدينة الشرقية الهادئة، يبدو أن هذه الحكمة تعكس واقعًا مريرًا: الماء موجود، لكنه في مكان آخر، بعيد عن متناول العطشى الذين يحركون أيديهم نحو السماء، فلا يجدون سوى انتظار طويل، كأنهم في انتظار “جودو” الذي لن يأتي أبدًا. هكذا، كما لو أن السماء، كصامويل بيكيت في مسرحيته الشهيرة، تماطل في منحهم ما يحتاجون إليه، تاركة إياهم في حالة من الترقب الساخر. لكن الأقدار ليست مسرحية يمكن التنبؤ بها، والأقدار لا تمنح فرصة للانتظار بلا نهاية، وها هي أولى زخات الخير تسقط متزامنة مع بداية العام الجديد.
شهران مرت على زايو دون أن ترى غيثًا حقيقيًا. شهران من الترقب والصبر، وكأن السماء تمارس دور “البخيل الكريم” الذي يمنح القليل ليُبقي الجميع متشبثين بالأمل. وفي أوقات سابقة، حين تساقطت بضع قطرات، كان الأمر أشبه بتمثيلية قصيرة، نهايتها دائمًا: “عذرًا، العرض انتهى”.
على أرض زايو، حيث الزراعة ليست مجرد مهنة بل حياة، يبدو الجفاف وكأنه العدو الأول. الفلاحون هناك يتنقلون بين حقولهم التي تحولت إلى أراضٍ متشققة، كمن يزور مريضًا يعرف أنه لن يشفى قريبًا. ومع ذلك، لا تزال أرواحهم متشبثة بخيط رفيع من التفاؤل، ربما لأنهم ورثوا هذه الأرض ومعها حكايات الصبر والمقاومة.
لكن القصة لا تتوقف هنا. زايو، رغم خصوصيتها، ليست استثناءً في المغرب. التغيرات المناخية جعلت من ندرة المياه واقعًا يوميًا تعيشه العديد من المدن والقرى. وكأن الطبيعة قررت أن تختبر الجميع، لكنها اختارت زايو كبداية، ربما لأنها تعتقد أن سكانها أقدر على التحمل، ربما؟
اليوم، زخات المطر التي شهدتها المدينة مع بداية العام الجديد كانت بمثابة هدية متواضعة من السماء. البعض رأى فيها بشارة خير، وكأن الطبيعة تقول: “لا تقلقوا، أنا هنا.” بينما سخر آخرون قائلين: “إذا كانت هذه البداية، فكيف سيكون الحال في الصيف؟”.
بغض النظر عن التفاؤل أو التشاؤم، الحقيقة الواضحة هي أن زايو بحاجة إلى حلول جذرية. الحكومة مطالبة بتحركات عاجلة، من بناء السدود إلى تطوير تقنيات الري الحديث. أما السكان، فهم بحاجة إلى وعي أكبر بأهمية الحفاظ على المياه، لأن انتظار غيمة سخية ليس خطة يمكن الاعتماد عليها. فجودو ربما لن يأتي أبدًا.
ومع ذلك، يظل السؤال معلقًا في غيمة: هل ستكون زخات اليوم بداية حقيقية لتغيير مشهد زايو، أم أنها مجرد حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الانتظار والتحديات؟
تعليقات الزوار ( 0 )