في تحول اقتصادي لافت يحمل في طياته أبعاداً جيواستراتيجية عميقة، رسخت روسيا موقعها كقوة زراعية عالمية بعد تسجيلها رقماً قياسياً في صادرات القمح إلى إفريقيا عام 2024.
وبين أبرز المستفيدين من هذا التوسع، يبرز المغرب بوصفه شريكاً متنامياً في علاقات موسكو الغذائية جنوب المتوسط، بعد أن ضاعف وارداته من القمح الروسي خلال عام واحد فقط.
وفي وقت تسعى فيه موسكو إلى تعميق حضورها الاقتصادي في القارة، يعزز المغرب موقعه كوجهة محورية ضمن خارطة الصادرات الزراعية الروسية.
وشهد عام 2024 ارتفاعاً كبيراً في حجم القمح الروسي المتدفق إلى الموانئ المغربية، في سياق توسع شمل عدة دول إفريقية مثل مصر ونيجيريا وكينيا.
ووفق ما نقلته وكالة “تاس” الروسية، فقد بلغ إجمالي صادرات روسيا من الحبوب إلى الدول ذات الأغلبية المسلمة نحو 64 مليون طن، في حين سجلت مصر وحدها أكثر من 10 ملايين طن من القمح الروسي، تليها دول من بينها المغرب الذي بات يحظى بأولوية في استراتيجية التصدير الروسية نحو إفريقيا الشمالية.
ويأتي اعتماد المغرب المتزايد على القمح الروسي في إطار مساعيه المستمرة لتعزيز أمنه الغذائي، وسط اضطرابات السوق العالمية وارتفاع أسعار الحبوب بفعل النزاعات الدولية وتغير المناخ. وبفضل الشراكة مع روسيا، باتت الرباط تملك خياراً استراتيجياً لتقليص تقلبات السوق الأوروبية وتنويع مصادر التوريد.
كما تسهم هذه الشراكة في دعم مخزونات القمح الوطنية التي تعتبر حيوية للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في ظل التوترات التي عرفها العالم خلال السنوات الأخيرة في سلاسل الإمداد الغذائي.
لكن أهمية هذا التقارب المغربي–الروسي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى الأبعاد الجيوسياسية. إذ ترى موسكو في المغرب شريكاً إقليمياً واعداً، بالنظر إلى استقراره السياسي وموقعه الجغرافي كبوابة إلى إفريقيا وأوروبا معاً.
وفي ظل التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب، تسعى موسكو إلى بناء شبكة علاقات جديدة خارج المنظومة الغربية التقليدية، والمغرب، كبلد منفتح على الشراكات المتعددة، يبدو مرشحاً مثالياً للعب هذا الدور، خاصة في ظل انفتاحه المتزايد على قوى عالمية متنوعة، منها الصين وروسيا.
ويفرض التوسع الروسي في السوق المغربية يفرض على الاتحاد الأوروبي مراجعة حساباته، لا سيما أن الرباط تُعد شريكاً استراتيجياً تقليدياً لبروكسل.
كما أن تقارب المغرب مع موسكو في ملف الحبوب قد يحمل رسائل سياسية غير مباشرة، في وقت تتداخل فيه ملفات التجارة والأمن والسيادة الغذائية.
من جهة أخرى، يفتح هذا الواقع الجديد الباب أمام منافسة بين القوى الكبرى على النفوذ الغذائي في القارة، حيث تتحول الحبوب إلى ورقة ضغط وتأثير سياسي، تماماً كما تفعل الطاقة والمعادن.
وفي عام 2025، بات من الواضح أن تجارة القمح لم تعد شأناً زراعياً فقط، بل أداة استراتيجية متعددة الوظائف. وبينما تتعمق الشراكة بين المغرب وروسيا في هذا المجال، يكرّس الرباط موقعه كفاعل مستقل وقادر على إعادة رسم علاقاته الدولية بما يخدم مصالحه العليا.
تعليقات الزوار ( 0 )