شارك المقال
  • تم النسخ

رواية الموتشو أمام مرآة الصورة الأخيرة في الألبوم

“إذا كان أحسن الشعر أكذبه فإن أحسن السرد أفضحه”

عبد الله الغذامي

صدرت قبل أيام معدودات بالمغرب رواية بعنوان “الموتشو” لكاتبها حسن أوريد، الناطق الرسمي السابق للقصر الملكي، ومؤرخ المملكة السابق، ووالي جهة مكناس تافيلالت السابق، والدبلوماسي السابق، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط حاليا.

رواية أم بيان سياسي؟

وبصرف النظر عن غياب مسألة “الإبداعية La créativité” التي تفتقر إليها الرواية كجنس أدبي يعتمد الاستعارة الموسعة في معالجة قضايا يتظافر بها الخيال بالواقع، فلا تعدو رواية “الموتشو” كونها بيانا سياسيا يدعو إلى الهزيمة والاستسلام معلنا عن وفاة المشروع العربي الإسلامي في المنطقة وانتصار المشروع الصهيوني.

ويظهر ذلك جليا من خلال الشخوص التي تقدم بها الكاتب والمفكر حسن أوريد، كما هو موقع ضمن عتبات المؤلف، لتأثيث فصول “الموتشو”، حيث اختار السارد أمين الكوهن الملقب بـ”الموتشو” شخصية محورية أو البطل المأساوي في الرواية لتمرير الرؤية الانهزامية، ومن المعلوم أن أمين الكوهن أكاديمي مغربي مختص في التاريخ اليهودي ومناضل يساري عضو بالمكتب السياسي لفدرالية اليسار، وحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ حول اليهود، وهو شخصية ليست من ورق، بل شخصية من شحم ولحم وعظم ودم، لكن حسن أوريد حوله من شخصية حقيقية إلى شخصية ورقية يشتغل صحافيا محررا في جريدة إسلامية بمدينة الدار البيضاء، وكان أمين الكوهن عضوا في حركة 20 فبراير، النسخة المغربية لموجة الربيع العربي، حاصل على الدكتوراه في التاريخ من فرنسا، اختير من لدن هيئة تحرير الجريدة بالنظر إلى ثقافته الموسوعية، قارئ نهم لكتاب يهود من قبيل برنارد ليفي ورجيس دبري وإستر بناصا وكثير من الكتب تخص اليهود بشكل عام بالنظر إلى تخصصه الأكاديمي، هذا بالإضافة إلى حبه للغة العربية التي يحرر بها مقالاته من خلال قراءته لكتب مصطفى صادق الرافعي، وخاصة كتاب تحت راية القرآن، والجاحظ وشعر المتنبي وملم بشكل جيد بتفاصيل القضية الفلسطينة ومتيم بكتاب “تأملات في المأساة العربية” للكاتب الصحافي سمير القصير.

وتبرز مأساة شخصية أمين الكوهن، الملقب بـ”الموتشو” من خلال فشل حركة 20 فبراير في تحقيق شعاراتها التي رفعتها كما فشلت كل ثورات الربيع العربي، ناهيك عن الاعتقالات التي طالت شباب حراك الريف عام 2018، والأحكام القاسية التي صدرت ضدهم، واغتيال الصحافي جمال خاشقجي في استنبول، وتحول الجريدة الإسلامية التي واكبت الحراك الشعبي خلال ثورات الربيع العربي، وواكبت أيضا حراك الريف عبر موفدتها الصحافية المحتجبة (يقصد هاجر الريسوني بنت شقيق الدكتور أحمد الريسوني)، إلى جريدة تجارية بعد القبضة الأمنية وانتصار الثورة المضادة، ورفض جريدة القدس العربي وكذا مركز أبحاث في الدوحة التعاون معه ونشر مقالاته وبحوثه بسبب أن اسم “الكوهن” الذي يوحي أنه اسم يهودي. هكذا يغادر أمين الجريدة، ويفقد صديقه الوفي الحاج بنيس الرجل القومي الذي عاش في مصر مع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي وشخصيات تاريخية مناضلة من تونس والجزائر فيما سمي بمكتب المغرب العربي بالقاهرة، ذاكرته نتيجة حادثة سير، وفقدان الذاكرة، والموت هو دعوة مباشرة من الكاتب حسن أوريد إلى موت تاريخ العرب الذي وصفه بثنائية الدعوة والشعر، وأما الفكر فهو يهودي!

يا أيها المغاربة تصهينوا فإن العالم تصهين!

يتحكم حسن أوريد في توجيه رؤية استسلامية انهزامية من خلال شخصية أمين الكوهن الذي يقوده القدر إلى لقاء شخصيات يهودية أو إسرائيلية من أصل مغربي، وينقطع عن كل ما يمت بالثقافة العربية الإسلامية إلا والدته التي تنحدر من مدينة فاس، ومن أبرز هذه الشخصيات التي كان يقضي جل أوقاته معها نجد نعيمة المحتجبة وهي طبيبة من أم يهودية هاجرت أسرة جدها من أمها إلى إسرائيل، وبالرغم من حجابها فلا شيء يربطها بالإسلام سوى الحجاب ورفض مصافحة الرجال، وإستير كوهين الإسرائيلية المثقفة من أصل مغربي التي شاركت في حرب 1973 ضد مصر، هذه المرأة اليهودية المسنة تكره العرب والمسلمين وتحب جمال طبيعة المغرب وحضارته الضاربة في التاريخ، أي تاريخ؟، التاريخ اليهودي طبعا!

تتعلق إيستير كوهين بالمغرب، لأن أغلب المغاربة، حسب الرواية، من أصول يهودية قبل أن يعتنقوا الإسلام، ويظهر ذلك من خلال شخصيات الرواية ذات الأصول العبرانية، من قبيل الكوهن، وكوهين، بنيس..الخ، هكذا تقرر الرواية/ البيان دون الحاجة إلى حوار معمق بين شخصيات الرواية التي يفترض أن تعبر على الأقل على التنوع الثقافي بالمغرب كما يقر بذلك الدستور المغربي باعتباره أسمى وثيقة قانونية بالبلد، ولذلك فلا يجد المغاربة أي غضاضة، تبعا لغياب ثقافة الاختلاف، في التعايش مع الإسرائيليين، ويعود ذلك، حسب “الرواية/ البيان السياسي” إلى ثقافة المنبع عوض الروافد، وثقافة المنبع هي اليهودية والفكر اليهودي الأصيل المتمثل في الأسماء والأماكن والأولياء، وأما الإسلام فهو رافد، والعربية لا تصلح إلا لقرض الشعر.

غير أن شخصية أمين الكوهن الحقيقية، ونقصد الباحث الأكاديمي المختص في تاريخ اليهود، يؤكد في كتابه الجديد الذي صدر قبل أيام في تزامن مع صدور الرواية، والمعنون بـ”رحيل يهود المغرب: قضايا ومسارات” ص: 21، بأن إشكالية أصول المغرب يلفها الكثير من الغموض والالتباس وتضارب الآراء، ويعود ذلك، حسب الباحث الأكاديمي أمين الكوهن، إلى أن الكتابة حول الموضوع قليلة ومحدودة على المستوى الكمي، ولا تتناسب على امتداد طول الفترة الزمنية، كما أن أغلب الشواهد الكتابية كانت صدى لأحداث وقائع أكثر من أن تكون تأريخا للمرحلة بالمنطقة، هذا بالإضافة إلى غياب شواهد أركيولوجية تمكن من استنتاج تاريخ اليهود، أو الديانة اليهودية بالمغرب، وهو ما جعل تعاطي مع تاريخهم يتسم بتصور أسطوري متعال على التاريخ.

 وإلى جانب شخصية إستير الكوهن، يختار أوريد في روايته/بيانه السياسي شخصية نعيمة التي تكره الدين بشكل عام، الدين الذي فصل أمها اليهودية التي اعتنقت الإسلام، لكنها ستتزوج ديفيد اليهودي وتنزع الحجاب وتغير اسمها وتغادر المغرب إلى إسرائيل، وأما أمين الكوهن (شخصية الرواية) الأكاديمي والصحافي والمناضل في حركة 20 فبراير والمتيم بثقافة العرب وتاريخ النضال الفلسطيني فإنه سيكفر بالتاريخ كوقائع حقيقية، وبالذاكرة كخيال، والثقافة كامتداد، وسيجد نفسه ضيفا عن طريق توهمات في معهد موشي ديان يشارك بمداخلة بعنوان “العالم العربي: إرادة وتمثل” (الرواية ص 313).

 وسنعرض أهم الأفكار التي جاءت على لسان المحاضر، شخصية أمين الكوهن/ الموتشو، في معهد موشي ديان، والتي تعكس الرؤية الانهزامية التي وجهت الرواية/البيان السياسي:

– أعبر عن سعادتي الغامرة في الحلول في إسرائيل، أرض الرواد.

– كنت مقولبا بإيديولوجية منافية لمسار التاريخ، نفقت في مجرى السياسة، والحقيقة هي وحدها ثورية.

-على العالم العربي كي يعانق العصر وينغمر في التحديث ويتصدى للتحديات الكبرى التي تحدق به مع استفحال الامبريالية الفارسية وبروز العثمانية الجديدة.

– العالم العربي ليس هو الزمن الفلسفي. ما زال في زمن الدعوة والشعر..

-لم يبرح العالم العربي حضن النشأة كما طفل لم ينفطم عن ثدي أمه، وحين أنفق الشعر تحول إلى الحكي.

-القومية العربية رد فعل ضد الطورانية وضد الحركة الصهيونية وهي تنطوي على ضحالة فكرية لا تبلغ ما استطاعه بير برخوف من تمثل الماركسية.

– العرب يكرهون أنفسهم، ويكرهون بعضهم البعض، فلا غرو أن يكرهوا الاخر.

– عندما سأعود إلى المغرب سأقرر هل سأكون عربيا أم لا. أنا هنا في مركز موشي دايان بتل أبيب، في إسرائيل، عربي حتى إشعار آخر.

الصورة الأخيرة في الألبوم

الكثير من يعرف سميح القاسم شاعرا من فلسطين، لكن القليل من يعرف أنه روائي، كتب رواية واحدة وأبدع فيها، وبالرغم من رواية سميح القاسم قصيرة فإنها تعكس حقيقة الصراع بين الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، والرواية تحمل عنوان “الصورة الأخيرة في الألبوم” وإذا كان الألبوم هو مستودع الذاكرة من خلال الصور التي يحتفظ بها الإنسان لأشخاص يعزهم ويحبهم، فإن الألبوم الذي تحدث عنها سميح القاسم هو ملك لجنرال صهيوني مكلف باغتيال مجموعة من المقاومين الفلسطينيين، وضع صورهم في الألبوم كأعداء مرشحين للقتل، فكلما قتل مقاوما تخلص من صورته ومزقها في انتظار الصورة الموالية المرشحة للقتل، وهكذا دواليك، غير أن واحدة من الصور المرشحة للقتل هي لطالب جامعي يدرس مع بنت الجنرال، تعرفت عليه ونمت بينها أواصر إنسانية تطورت إلى علاقة حب بين الشاب الفلسطيني والشابة الإسرائيلية كريمة جنرال الاحتلال المكلف بالاغتيالات والقتل، وكانت هذه الشابة تفتش الألبوم خلسة وتبحث عن صورة حبيبها الفلسطيني وتضعها في غفلة من أبيها في آخر الألبوم، ولما انتهى الجنرال من تمزيق جميع الصور بعد التخلص من أصحابها الفلسطينيين بالقتل بقيت الصورة الوحيدة لحبيبها، ولذلك كان ينتظر هذا الشاب الفلسطيني حبيب الشابة الإسرائيلية موعد قتله وتمزيق آخر صورة في ألبوم الجنرال، وبما أن “الحب لا يتوقف عند الضوء الأحمر” كما قال نزار قباني، تجرأت هذه الشابة تستعطف أباها كي لا يقتل حبيبها الشاب، بكت وتألمت وتوددت للجنرال أبيها الصهيوني كي لا يقتل حبيبها الفلسطيني، وفي نهاية الرواية سيموت الشاب الفلسطيني قتلا في دلالة واضحة فاضحة على أنه لا يمكن أن تكون هناك وشائج وأواصر مع كيان محتل عنصري غاصب للأرض وقاتل للأحلام!   

على سبيل الختام

عندما نعرض “الموتشو” في مرآة “الصورة الأخيرة في الألبوم” نلفي أن “الموتشو” سردية مخاتلة ذات رؤية إسرائيلية بامتياز تفضح السارد والكاتب في تقديم شهادة زور تسعى إلى تزوير ثقافة وتاريخ وحضارة ومنظومة قيم إنسانية، في مقابل “الصورة الأخيرة في الألبوم” رواية ذات رؤية فلسطينية عن حقيقة الصراع تُشعر الإنسان أنى كان دينه أو ثقافته بالعار، وهو ما أشار إليه الكثير من المؤرخين الجدد في إسرائيل.

يُطلق اسم “الموتشو” في التاريخ على مهنة “الكياس” الذي يشتغل في الحمامات القديمة، حيث يقوم بغسل الزبون وتطهيره وتعطيره، ولا ندري لم اختار حسن أوريد، مؤرخ المملكة السابق، عنوان “الموتشو” لبيانه السياسي ذي الرؤية الإسرائيلية الصرفة.

هل يقوم السارد بمهمة تطهير وتعطير صورة الاحتلال والقتل عبر سردية انهزامية استسلامية؟!

 وهل الكاتب يحيا على توهمات العودة إلى المربع في تناف مع ذهب إليه مؤرخ المملكة الراحل عبد الوهاب بن منصور في كتابه المعنون  بـ”مشكلة الحماية القنصلية بالمغرب من نشأتها إلى مؤتمر مدريد سنة 1880″؟.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي