في قرار أثار جدلاً واسعاً حول معايير الاندماج والمواطنة، رفضت المحكمة الوطنية الإسبانية منح الجنسية لرجل مغربي مقيم في البلاد منذ أكثر من عشرين عاماً، متزوج وأب لثلاثة أطفال، رغم إثباته الارتباط المهني والعائلي القوي بالمجتمع الإسباني. السبب: عدم قدرته على القراءة أو الكتابة باللغة الإسبانية.
ودخل الرجل، الذي يُعرف باسم “باتريسيو” في السجلات القضائية، إسبانيا عام 2000، ويعيش منذ ذلك الحين في مدينة تاراغونا بطريقة قانونية، حيث تم تسجيله في سجل السكان ويعمل في وظيفة ثابتة، كما سدد مساهماته في الضمان الاجتماعي لأكثر من 2700 يوم.
وقد تقدم بطلب الجنسية الإسبانية في أكتوبر 2014، مستوفياً من حيث المبدأ شرط الإقامة القانونية المستمرة، لكنه اصطدم بعقبة “الاندماج الثقافي واللغوي”.
لا يكفي أن تكون مقيماً.. بل مندمجاً
واستندت السلطات القضائية الإسبانية، ممثلة في الغرفة الثالثة للمحكمة الوطنية، في قرارها إلى أن “باتريسيو” لم يثبت درجة كافية من الاندماج في المجتمع الإسباني، تحديداً بسبب فشله في اجتياز اختبار المعرفة الدستورية والاجتماعية (CCSE)، وهو أحد الشروط الأساسية للحصول على الجنسية الإسبانية.
وأظهرت تقارير المحكمة أن الرجل “لا يعرف القراءة أو الكتابة بالإسبانية”، وأن لغته الوحيدة التي يتقنها كتابة وقراءة هي العربية، كما أن معرفته بالثقافة والحياة العامة في إسبانيا كانت محدودة جداً. وهو ما أكدته تقارير كل من النيابة العامة ومسؤول السجل المدني.
اللغة مفتاح المواطنة
أكدت المحكمة في حكمها أن المعرفة باللغة الإسبانية ليست مجرد مهارة لغوية، بل تعكس درجة التكيف الثقافي والاجتماعي مع المجتمع المضيف. وأضافت: “الاندماج لا يُقاس فقط بالسنوات التي يعيشها الأجنبي في إسبانيا، وإنما بمدى قدرته على الانخراط في الحياة اليومية وفق القيم والمبادئ السائدة في البلاد”.
وأوضحت المحكمة أن الارتباط العائلي والمهني، رغم أهميته، لا يكفي لوحده لاستيفاء شرط “الاندماج الكافي”، مشددة على أن عدم القدرة على التواصل الفعال بلغة البلد وفهم مؤسساته وقيمه يعيق هذا الانخراط.
قرار قابل للطعن
ورفضت المحكمة الطعن الذي تقدم به المغربي ضد القرار الإداري الصادر عام 2020، والذي قضى بعدم منحه الجنسية، وألزمته بدفع المصاريف القضائية. ومع ذلك، أشارت إلى إمكانية الطعن بالنقض في غضون ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغ الحكم.
نقاش واسع حول معايير الاندماج
ويثير هذا القرار جدلاً قانونياً وأخلاقياً حول مدى توازن معايير الجنسية بين الاندماج اللغوي والثقافي من جهة، والواقع الاجتماعي للأشخاص من جهة أخرى.
فرغم أن “باتريسيو” يعتبر جزءاً من النسيج الاجتماعي الإسباني بحكم عمله وعائلته وسنوات إقامته الطويلة، إلا أن عدم إتقانه للغة كان كافياً لحرمانه من الجنسية.
يُذكر أن مثل هذه الحالات تُسلّط الضوء على التحديات التي يواجهها المهاجرون القدامى الذين لم تُتح لهم فرصة تعلم اللغة في مراحل مبكرة من إقامتهم، وتدفع باتجاه نقاش أوسع حول أهمية توفير فرص متساوية للاندماج الحقيقي، لا سيما لأولئك الذين اختاروا إسبانيا وطناً منذ عقود.
تعليقات الزوار ( 0 )