Share
  • Link copied

رغم تقليص الإعفاءات الضريبية: تقرير دولي يدعو المغرب إلى مزيد من الشفافية والتقييم العقلاني للنفقات الجبائية من أجل تنمية اقتصادية مستدامة

في ظل تزايد الاهتمام الدولي بتقييم فعالية السياسات المالية، كشف تقرير جديد حول النفقات الجبائية في المغرب عن تقدم ملحوظ في تقليص الإعفاءات الضريبية، لكنه نبه إلى استمرار وجود ثغرات كبيرة على مستوى الشفافية، وتقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه الإعفاءات، مما يُضعف من فعاليتها في دعم أهداف التنمية الوطنية.

ويستند التقرير، الذي يغطي المعطيات الرسمية الصادرة إلى غاية دجنبر 2023، إلى تحليل معمّق للتدابير الاستثنائية المعتمدة في قوانين المالية، والتي تُعرف بالنفقات الجبائية، وتشمل التخفيضات أو الإعفاءات الضريبية التي تُمنح لقطاعات أو فئات معينة، بدعوى دعمها أو تشجيعها.

ووفقًا لمؤشر الشفافية العالمي للنفقات الجبائية (GTETI)، حصل المغرب على 55.7 نقطة من أصل 100، محتلا بذلك المرتبة 28 من بين 105 دول.

ويعكس هذا الترتيب تحسنًا نسبيًا في إتاحة التقارير الجبائية للعموم، لكنه يسلط الضوء أيضًا على مجموعة من أوجه القصور، خصوصًا فيما يتعلق بوضوح البيانات وسهولة فهمها، وغياب منهجية تقييم دقيقة.

فالتقارير المنشورة تظل تقنية ومعقدة بالنسبة لغالبية المواطنين، ما يطرح إشكالًا حول قدرة الرأي العام والمجتمع المدني على تتبع جدوى هذه التدابير ومدى تأثيرها على العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية.

وكشف التقرير أن النسيج الجبائي المغربي يتميز بتعقيد كبير، نتيجة تراكم 251 إجراءً ضريبيًا استثنائيًا موزعة على أنواع متعددة من الضرائب، كضريبة القيمة المضافة، والضريبة على الشركات، والضريبة على الدخل. وقد بلغت كلفة هذه الإجراءات في 2023 حوالي 35.4 مليار درهم، أي ما يمثل 2.4% من الناتج الداخلي الخام.

وتجعل هذه البنية المتشعبة من الصعب تتبع وتقييم هذه النفقات بدقة، كما تفتح الباب أمام التأثيرات السياسية واللوبيات الاقتصادية في الحفاظ على بعض الإعفاءات دون مبرر اقتصادي أو اجتماعي واضح.

ويسجل التقرير تراجعًا تدريجيًا في حجم النفقات الجبائية، حيث انخفضت من 2.9% من الناتج الداخلي الخام في 2022 إلى 2.4% في 2023، ثم إلى 2.1% في 2024، حسب معطيات مشروع قانون المالية لسنة 2025.

ويُعزى هذا التراجع بشكل رئيسي إلى إصلاح ضريبة القيمة المضافة، الذي ألغى 24 إجراءً استثنائيًا، ما ساهم في تقليص النفقات المرتبطة بها بنسبة 28.3%.

وبشكل عام، انخفضت النفقات الجبائية من 37 مليار درهم سنة 2023 إلى 32.1 مليار درهم في 2024، أي بانخفاض قدره 13%.

ورغم إيجابية هذا التوجه، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن قدرة النظام الجبائي على تعبئة الموارد الكافية لتمويل مشاريع التنمية دون الإضرار بالتوازنات المالية الكبرى.

وأشار التقرير إلى أن هناك حاجة ملحة لتحسين طرق تقييم النفقات الجبائية في المغرب، حيث لا تزال القرارات المتعلقة بالإعفاءات تُتخذ في أغلب الأحيان دون دراسات معمقة لفعاليتها.

وقد نبه المجلس الأعلى للحسابات، في تقاريره، إلى غياب إطار مؤسساتي واضح لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذه النفقات، وهو ما يقوّض القدرة على تبريرها أو تعديلها وفق أهداف واضحة.

وخلص التقرير إلى أن المغرب، رغم ما حققه من تقدم، لا يزال في حاجة إلى إصلاحات هيكلية لتعزيز نجاعة سياسته الجبائية، عبر تبسيط التقارير الجبائية، ووضع معايير واضحة، وإجراء تقييمات دورية، مع تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين لضمان ربط النفقات الجبائية بأهداف التنمية.

وفي ظل التحديات الاقتصادية والمالية المتزايدة، يبدو أن المغرب مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة التفكير في أدواته الجبائية، وضمان أن تكون كل درهم يُعفى من الضريبة، درهمًا يخدم المصلحة العامة، لا الامتيازات الخاصة.

Share
  • Link copied
المقال التالي