كثر الحديث عن المقابلة التلفزيونية للسيدة رغد صدام حسين، وتباينت الآراء، في ما قالته، برغم أن إشاراتها، إلى مستقبلها السياسي، واحتمال انخراطها في العمل السياسي، تسيدّت المشهد، وقولها: إن كل شيء وارد، أثار أصداءً واسعة، وردود فعل متضاربة، وراح كل طرف يفسره، وفقاً لتمنياته، أو حسب أهوائه، ولكن يجب الاعتراف، أن المقابلة التلفزيونية، حصدت نجاحاً، وفي الوقت نفسه، قوبلت بانتقادات وهجمات، وهذه مسألة طبيعية، لأن رغد، باتت شخصية عامة، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، وتحظى باهتمام المحبين والكارهين.
وعموماً.. فان التحولات السياسية، والظروف الاجتماعية، التي تمر بالشعوب والبلدان، تفرض على بعض الناس، الظهور والانخراط في الشأن العام، كما في حالة السيدة رغد، التي لم يُعرف عنها حتى نيسان 2003، انشغالها بالسياسة، أو لعب دور في سياقات السلطة، وشؤون الحكم، بل أنها عاشت، قبل هذا التاريخ، حياة مُضنية، بعد فقد الزوج، ولكنها مع المعاناة، صبرت وثابرت، وعبرت مأساتها الشخصية بجدارة، مع ما تحمله من آلام وجروح وأحزان، وهذا يعني، أنها سيدة قوية الكيان، ثابتة الجنان، ومن يطّلع على رحلتها الاغترابية عقب الاحتلال، يلحظ أنها تصرفت بشجاعة، وسلكت دروباً شاقة، وأنقذت عائلتها، وبعض أهلها، من مصير غير معروف النهايات، كان يتربص بها.
ولأن من حكموا، وتسلموا السلطة، بعد الاحتلال، ليسوا سياسيين حقيقيين، ولا رجال دولة، برغم أن عديداً منهم، عاش سنوات في الغرب الديمقراطي، كما يسمى، إلا أنهم مارسوا سياسات أقل ما توصف به، أنها متخلفة، قادتها الكراهية، وروح الانتقام، لقطاعات شعبية واسعة، وسادتها عناوين مستوردة، كانت الطائفية أبرزها، الأمر الذي أسفر عن تخبطات سياسية، كان نتيجتها، تمزيق اللحمة الوطنية، وتقسيم العراق، إلى تصنيفات عددية، وليست تعددية، وهكذا ظهرت على الخارطة السياسية، أغلبية شيعية موهومة، وأقلية سنية مزعومة، في توصيف يجافي الحقائق التاريخية والاجتماعية، التي عاش في ظلها العراق المعاصر.
ووفقاً لهذه النظرة السياسية القاصرة، شُملت السيدة رغد، ضمن الفئة الثانية، واتهمت بأنها جزء من النظام السابق، مع أنها لم تحتل موقعاً رسمياُ، ولم تتسلم منصباً حكومياً، وكل تهمتها أنها، ابنة صدام حسين، وهذه وحدها، في ظل غياب القانون، كافية لإدانتها، وإصدار مذكرات قبض رخوة ضدها، ووصفت أيضا، بأنها قيادية في حزب البعث، برغم أن سجلات (الاجتثاث) نفت عضويتها، في الحزب، ونُسب إليها أنها دعمت المقاومة ضد الاحتلال، من دون أن ينتبه المرجفون، لغبائهم وسذاجة منطقهم، أن هذا يصب في مصلحتها، وكبرّها في عيون كثير من العراقيين، وأخفق أهل الحكم كثيراً، بعد أن تاهوا وتخبطوا، ووضعوا رؤوسهم برأسها، وكانت المحصلة، أنها هزمتهم، برغم أنهم أصحاب سلطة ومال وامتيازات، وهي امرأة لا تملك غير صوتها، يهدر في بعض المناسبات، ولكنه يُقلقهم ويبث الذعر في أوصالهم، وصخب بعض النواب، مثل، خلف عبدالصمد، وعبدالاله النائلي وحسن الكعبي، دليل هلع، ودعوة مقتدى الصدر، إلى تفعيل قانون الاجتثاث، علامة جزع.
ويبقى السؤال مفتوحاً، هل تعمّدت السيدة رغد صدام حسين، اختيار هذا التوقيت بالذات، لتبعث رسالة، تحمل أكثر من معنى ومغزى، في ظرف سياسي معقد، يعيشه العراق الآن، وسط فراغ سياسي، وتمزق داخلي، وتدخل إقليمي، ونفوذ دولي؟
الإجابة عن مثل هذا السؤال، وما يتفرع منه، يحتاج إلى مزيد من الوقت، ومزيد من الانتظار، مع الأخذ في الاعتبار، أن العراق اليوم، دولة فاشلة، تفتقر إلى السيادة، وتعافيها من أمراضها المتعددة، يستدعي إزاحة الطبقة السياسية الفاعلة، منذ نيسان 2003، إلى يومنا الحاضر، وبهذا الصدد، لا بد من ملاحظة جملة من المعطيات الدولية والسياسية، لها علاقة بالعراق، شئنا أم أبينا، إدارة أمريكية جديدة، لها رأي خاص، في مستقبل العراق، واستعداد إيراني للتفاهم مع واشنطن والاتحاد الأوربي، للعودة إلى الاتفاق النووي، مع ما تتطلبه هذه العودة، من شروط جديدة، وضوابط صارمة، يضاف إلى كل ذلك، أن العالم بأسره، وفي مقدمته، الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، ودول الجوار والمنطقة، باستثناء إيران، باتت تعضّ أصابعها ندماً على ما صنعت في العراق، عندما قوضت نظامه السابق، وشرعت أبواب البلاد، لتيارات التطرف الديني وحركاته، بشقيه السني والشيعي، وكانت النتيجة عراقاً غير مستقر، ونظاماً فاسداً، وعملية سياسية عرجاء، وطبقة حاكمة غبية، قادتها يحكمهم، العقل المليشياوي، المناهض للفكر والثقافة والمعرفة والتواصل الإنساني، مع تبعيتهم العمياء لإيران.
ويبقى السؤال الذي يهمنا مُعلقاً: هل سيكون للسيدة رغد دور في عراق، مختلف عن الراهن؟
لم لا، وهي سيدة عراقية، مثقفة وعصرية، وسليلة أسرة سياسية حكمت، أصابت وأخطأت، ثم ألم تروها، كيف ظهرت وتحدثت، وبريق العزم في عينيها، وإشراقة الأمل على ملامح وجهها!.
تعليقات الزوار ( 0 )