(الجزء الأول)
لقد غيّرتم المجموعة… فهل آن الأوان لتغيير العاصمة
الفوسفاطية؟
السيد الرئيس مصطفى التراب
قبل أن أبدأ، دعوني أوضح:
حين أستعرض إنجازاتكم، فليس ذلك تزلفًا ولا ترويجًا، بل وفاء للحق، واحترام لمن أحسن، وتصديق لقول النبي: “من لم يشكر الناس لم يشكر الله”.
لست عدميًا ولا أنكر الجميل. لكن، بصفتي ابنًا لـ”العطاشة”، ومن أبناء مدن الـOCP، أحمل في قلبي شيئًا كبيرًا نود أن نقوله… وهذا سيكون موضوع رسالتي القادمة
سيدي الرئيس
هناك قرارات تغيّر،
وصمت يُوقظ،
ورؤية تُعيد الحياة لمدينة حية وتاريخ ميت ووري تحت ثرى الخذلان.
في سنة 2006، تولّيتم قيادة مجموعة عمرها قرن.
لكن ما ورثتموه لم يكن مجرد مؤسسة اقتصادية،
بل كان قطبا متجمّدًا، عملاقًا منهكًا، إرثًا استعماريًا لم يُطوَ بعد حلقاته ولم تجف أقلامه ولم تطو صحفه.
كانت المجموعة تُصدّر الصخور لا الأفكار.
ثقيلة في الاقتصاد… لكنها تختنق داخليًا.
تمتلك 70٪ من احتياطي الفوسفاط، لكنها سيدي التراب لم تكن تُحوّل لا الثروة ولا التراب.
رأى الكثيرون في ذلك مأزقًا، عبئًا، مسارًا نحو الاحتضار.
أما أنتم، فرأيتم فيه فرصة.
وفي حواركم الأخير مع رئيس المعهد الدولي للتدبير IMD، السيد Jean-François Manzoni،
ضمن سلسلة CEO Dialogue،
ذكرتم كلمة “فرصة” 16 مرة.
وكلمة “النية” 8 مرات.
وكلمة “الثقة” 22 مرة.
ولأن ما تكرر تقرر، ومن خلال استقراء بنية هذا الجدول الاحصائي الكمي، يتضح أنكم رأيتم في مؤسسة خاسرة فرصة لاستثمار 8 مليارات دولار لبناء صناعة جديدة.
رأيتم فرصة لتحرير الإبداع داخل الفرق من خلال تفجير نظام إداري مركزي جامد لبث دينامية التغيير فيه.
وفي سلم اجتماعي هش، رأيتم فرصة لبناء علاقة جديدة مع العمال، قوامها الاحترام والإصغاء والإنصات التفاعلي .
لم تبحثوا عن حلول خارج الواقع، بل نظرتم مباشرة في أعين المشكلات…
ورأيتم فيها فرصًا تنتظر من يتسلح بالجرأة والإيمان اللازمين ليحوّلها.
لكن ما كان لافتًا أكثر من القرارات الصناعية، هو البوصلة التي وجّهت مساركم: النية.
التحوّل عندكم لم يبدأ من جداول Excel، بل من نية صادقة.
جعلتم من “النية” قاعدة إدارية،
ومن الثقة وقودًا للتحول.
لأنكم كنتم تدركون:
أن إصلاح المؤسسة لا ينجح بدون إصلاح العلاقة بالإنسان.
وأن بناء عملاق عالمي لا يتم دون أن يشارك فيه من يحفر، وينقل، ويصنع.
وكسبتم هذه الثقة على الطريقة القديمة التي اقتضت منكم
النزول شخصيا إلى أعماق المناجم،
فانحلت عقدة لسان أحد العمّال فقال لكم بلسان الصدق:
“إذا كنتم تظنون أن ثروتنا هي فقط الفوسفاط، سنفشل.
لكن إذا فهمتم أن ثروتنا الحقيقية هي الإنسان… سننجح.”
وأنتم فهمتم.
أعدتم هيكلة المجموعة بشكل جذري وانطلقتم من الجذور،
فلم تعيدوا فقط ترتيب الهياكل، بل غيّرتم منطق ومنهجية العمل،
وبنيتم منظومة متكاملة تتحرك برؤية موحّدة.
أسستم شركات، وخلقتم أذرعًا جديدة تتعامل مع التحديات بمرونة وقوة.
أنشأتم الجامعة – UM6P – لا لتكون مجرد صرح أكاديمي، بل منصة تفكير لرسم ممكنات المستقبل انطلاقا من الكائن، جعلتموها مشتلًا للكفاءات التي تحتاجها بلادنا وقارتنا الأفريقية.
وسعتم الدور الوطني للمجموعة…
فلم تكتفوا بالتصنيع، بل دخلتم في معادلة السيادة الغذائية ، وتحلية المياه، وتثمين الطاقات المتجددة،
وساهمتم في بلورة السياسات الوطنية في الماء، والطاقة، والحياد الكربوني.
أطلقتم مبادرات جريئة، ناظمها ”نية” صادقة، وأخذتم على عاتقكم أدوارًا كانت تُعتبر من مسؤوليات الدولة.
صارت OCP قاطرة للرؤية، لا مجرد مقاولة.
اشتغلتم بمنطق الرؤية، لا بمنطق السوق فقط،
فآمن الناس بكم.
ولأنكم وضعتم الثقة في الإنسان… كانت الاستحابة بكل نجابة من الإنسان.
لكن إنجازكم لم يتوقف عند حدود إعادة الهيكلة،
بل تجاوزها ليواجه مصالح دولية، ولوبيات اقتصادية عالمية
كانت ترى في الفوسفاط المغربي مادة خامًا لا تملك وزنًا ولا
صوتًا.
رفضتم هذا المنطق،
وحوّلتم OCP إلى فاعل سيادي عالمي،
يُحدّد شروطه، ويصوغ تحالفاته،
ويفرض حضوره في منتديات التداول بشأن الملفات الكبرى ذات الصلة بالقارة والعالم.
قدتم المجموعة لتُصبح أكثر من مجرد شركة…
جعلتموها مدرسة استراتيجية، وسفيرة ناعمة للمغرب الجديد.
ساهمتم في دعم السيادة الوطنية، والدبلوماسية الاقتصادية.
لم تكتفوا بالشعارات، بل دافعتم عن مغربية الصحراء بالفعل،
من خلال لوبيينغ اقتصادي ناعم، يربط بين الفاعلين ويؤلف بين المصالح،
ويخلق التحالفات وفق مقاربة رابح-رابح، ويُثبت للعالم أن المغرب شريك بمنسوب ثقة ووثوقية وسقف قدرة ونجاعة والتزام.
مارستُم الدبلوماسية بالصمت الفعال، وبالأثر العابر للحدود.
حضرتم في كل قمة إفريقية، وكل اتفاق استراتيجي،
وكل نقاش حول المناخ،وأمنتم حضور المملكة ومنتوجها في دورات خصصت للأمن الغذائي والسيادة الصناعية.
شيّدتم مراكز اجتماعية،
وساهمتم في مشاريع التنمية في عدة مدن مغربية،
وفتحتم أوراشًا حقيقية في مدن كانت قد طالها النسيان او التناسي.
أنشأتم مؤسسات أكاديمية دولية تابعة لـ UM6P في فرنسا وكندا،
وأكثر من ذلك، خلقتم شركات دولية،
وأخذتم حصصًا في مؤسسات ومجموعات صناعية عالمية.
وسّعتم خريطة OCP لتصبح متعددة الجنسيات،
مغربية الجذور… عالمية التأثير.
لكنني، يا سيدي الرئيس،
أكتب إليكم من هنا… من خريبكة.
المدينة التي بدأ منها كل شيء.
المدينة التي حفرت، وصبرت، وقدّمت.
المدينة التي تنتظر فرصة واحدة فقط.
المدينة التي جعلت ساكنتها من الثقة في المكتب الأصل وفي مستويات فعله وتفاعله..
المدينة التي تحلم أن تتحول “النية” التي قادت المجموعة… إلى سياسة ترابية صادقة.
ما أنجزتموه داخل OCP هو قصة استثنائية، حكاية وقصة نجاح ملهمة.
لكنني أكتب إليكم اليوم… سيدي الرئيس، كي تنظروا معنا نحو نقطة البداية.
خريبكة حملت OCP على أكتافها لقرن كامل.
وقد آن الأوان… أن تحملها المجموعة نحو المستقبل.
أن تكتب فصلاً جديدًا في علاقتها بالمدينة التي أعطتها كل شيء.
نعم سيدي الرئيس، أنتم تملكون النية، ونحن أيضًا نملك النية وحسن الطوية…وهذا المنطلق يطوي اية مسافات فاصلة لتصير واصلة…
نعم سيدي الرئيس، أنتم تملكون رؤية للمجموعة، ونحن نملك حلمًا للمدينة.
وهنا نواجه جميعًا تحديات كثيرة، فلنحوّلها جميعًا… إلى فرص كبيرة.
ما ينقصنا فقط، هو أن تمنحوا الثقة لهذه المدينة، ولطاقاتها، ولرجالها ونسائها… كما منحتموها للمجموعة.
في الجزء الثاني…
سأكتب لكم سيدي الرئيس، بصوت الحالم، بصوت ابن “العطاشة” وابن المدينة.
بصوت من يعرف الميدان، ويحب هذا التراب.
ليس عتابًا، بل أملًا كبيرًا… ونيّة صافية، في أن تأخذ أحلامنا:
…نصيبها من الاهتمام، كما أخذت مشاريعكم نصيبها من الثقة والتنفيذ.
وأن تجد هذه المدينة، التي أعطت الكثير، من يؤمن بها كما آمنتم بالمجموعة.
وأن تتحوّل نيّتنا الصادقة… إلى واقعٍ يُعاش، لا مجرد رجاءٍ يُقال
ولا يتجاوز صداه دائرة المحال
وتفضلوا، سيدي الرئيس، بقبول فائق الاحترام والتقدير.
ابن خريبكة، وابن “العطاشة”…
تعليقات الزوار ( 0 )