ابني العزيز ياسر،
أتذكر حين ازددت بالمستشفى الإدريسي وخرجت إلى الوجود، فرحت بمقدمك غاية الفرح، وغمرني إحساس فريد ، وانا كنت حينها محاميا متمرنا بالقنيطرة وقد تصادف ميلادك سنة 2002 مع احداث هجوم اسرائيل على مقر الشهيد ياسر عرفات وحصاره وقطع الكهرباء عنه وتحطيم اسواره وقد استمر الحصار ، لمدة عدة أيام وقد قال حينها قولته المشهورة المؤثرة : (ياجبل ما يهزك ريح).
وأسميتك على اسمه تأثرا بتلك الأحداث الجسام وتخليدا وذكرى لاسمه، فقد كان ايقونة النضال الفلسطيني المسلح والسلمي ، ولن أخوض في الأخطاء والتاريخ .والفصائل ، والمقاومة القومية واليسارية والإسلامية ومنها منظمة الكف الاسود التي قادها في التلاثينيات الشيخ عز الدين القسام وبعدها منظمة التحرير الفلسطينية حركة فتح بقيادة ياسر عرفات ومنظمة أيلول الاسود والجبهة الشعبية لتحرير. فلسطين ،وحركة حماس بقيادة الشهيد احمد ياسين الذي قال في آخر مقابلة تلفزيونية معه:(ننا طلاب شهادة لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية).
وقد حقق أحمد ياسين أمنيته الكبرى في الانضمام إلى مواكب الشهداء. سنة 2003 حيث تم اغتياله بواسطة مروحيات الجيش الإسرائيلي التي استهدفت شقته بقنبلة تزن طنا من المتفجرات.
وهناك حركة الجهاد بقيادة الشهيد فتحي الشقاقي رحمه الله والذي اغتاله الموساد الاسرائيلي في مالطا .
وكذلك من المنظمات الفلسطينية المقاومة المسلحة:
كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب أبو علي مصطف وكتائب المقاومة الوطنية.
كتائب شهداء الأقصى .
وهكذا فقد أدلى كل منهم بدلوه ،وفق منهجه وفكره وإيديولوجيته.
وكلهم. أصاب ، وكلهم أخطأ. ، بغض النظر. عن الجزئيات والتفاصيل ، فهذا الحديث يطول وذو شجون وله مقام وباب آخر.
وأسميتك ياسر لأنني كنت أريد أن استبشر باسمك خيرا وأن ييسر الله لنا حياتنا تيمنا باسمك،
وأسميتك ياسرا تأثرا مني بقصة آل ياسر الذين عذبهم كفار قريش ببطحاء مكة وقتل في تلك الواقعة ابو جهل سمية وياسر رحمهما الله ، وانهار ابنهما الصحابي الجليل عمار بن ياسر فذكر آلهة قريش و هبل بخير فقال له الرسول صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
وعمار هو الصحابي الذي قاتل إلى جانب علي كرم الله وجهه ضد معاوية بن أبي سفيان في حرب صفين وتنبأ الرسول موته وذلك من معجزاتهم حين قال الفئة الباغية تقتل عمار ، وكذلك كان وقد صدق رسول الله ، وهو رضي الله عنه اكره على الكفر بالتعذيب وقلبه مطمئن بالإيمان ، وقد قال الله تعالى بهذه المناسبة :(مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)صدق الله العظيم .
حين إصابتي بكوفيد 19 ، أخفيت عنك مرضي وأنت تعيش وحيدا بفاس، خوفا مني عليك من الحزن والقلق ، وأنت تعيش وحيدا بالجامعة ، وقد أخبرتك بوضعي الصحي بعد تماثلي للشفاء،
أخبرك ابني أنني حينها لم أخف أو أجزع من الموت ، وأنا على فراش المرض ،لإيماني وظني بالله الظن الحسن ،وطمعي في رحمته ولان حياتي كانت صفحات بيضاء مبعثرة مشوقة ببعض الشوائب والغبار ، ولا تحتاج الا الى تنظيف وتصفيف فأنا لست شريرا او لصا أو خائنا او فاسدا ، أو زانيا ، أو سكيرا او عربيدا ،او ظالما او مرتشيا ولكنني كنت رجلا عاديا يخطأ ويتوب و يطمع في رحمة الله ،الذي يفرح بتوبتنا كثيرا .لأنه يحبنا.
فقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها -قد أيس من راحلته- فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).
لم أجزع من الموت لهذه الأسباب ولثقتي في الله وإيماني به، ولكنني بكيت في لحظة من الضعف خوفا عليك من غيابي، لكنني هدأت عندما أيقنت ان الله القادر من أقام السماء بغير عمد و تكلف بالنجوم والكواكب قادر على ان يتكفل بك ، فأنا وانا معك جسدياوماليا قد تضيع وتتعرض الفشل والخسران، وانت مع الله قد تحصل الفلاح والنجاح فما أنا إلا مجرد سبب وهمي واهي،
الحمد لله لقد اسضاافني الله في ضيافته خير ضيافة فكانت ايامي بالمستشفى احسن وخير الايام فرحت بها كثيرا ، تلقيت فيها دروسا وعبر ، لم اقراها في كتاب.
ومن هذه العبر والدروس التي استفدت انه لا يجب أعتد، بقوتي ومعرفتي وحيلتي، وإنما يجب أوكل الامور كلها صغيرها وكبيرها لله ، مع التوكل على الله و الاخذ بالأسباب.
، ومنها كذلك أن الموت لا يكون بمرض أو صحة وإنما باجل محتوم أقوله تعالى :(إذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون )صدق الله العظيم.
وأنها لا تأتينا الا بغتة ، وأنها لا تحدث إلا بعد اجتماع الشروط الموضوعية لكتاب الموت وهي المرض والعجز ، والحوادث،
وأنه رغم القدر المحتوم فالاقدار مقرونة باسبابها والعلل بمعلولاتها ، لأن الله مطلق العقل والحكمة ، ولا يمكن ان يبني العالم على العبث ، وقد قال عمر بن الخطاب فروا من قدر الله الى قدر الله ، فهو الذي يعلم ما يكون حين يكون وما لا يكون حين لا يكون،
وتعلمت أن أكون هادئا وان اجد العذر والتبرير للأصدقاء. والأحباب وان انسب الخطأ لنفسي قبل غيري ، فالله وحده يعلم ظروف كل واحد منا.
لقد طهرني الله يا ابني وادخلني فرن الإخلاص وصهرني بنار المحبة فأحالني معدنا أخر فقد كنت معدنا صدئا ، مشوبا بالشوائب ، وقد علقت بي اوساخ الدنيا والأعمال اليومية فاحالني ذهبا خالصا ، أسأل الله الثبات والإنتباه ،،
لم تكن أوراق أبيك سوداء وإنما كانت مشتتة وكانت تحتاج الى تصفيف وقد تم تنضيدها وتصفيفها.
وعلمتني هذه التجربة المؤلمة والحرجة و الفريدة من نوعها، أن احب الحياة ولا أتشبت بها ،أن امتلك الاشياء ولا تمتلكني.
تساءلت كثيرا كيف يموت الفاسدون الظالمون السارقون الأشرار ، وهم مقبلون على عالم أخروي لا استئناف فيه ولا طعن، كيف يموت من يملكون الفيلات والحدائق الغناء والبهايم والأرصدة البنكية الكبيرة ,كيف يحتضرون وتشخص ابصارهم وهم يتركون ، ما يملكون وارءهم ، ولا يحملون معهم إلا شرورهم واوزارهم.
كيف يستقبلهم الله، وكيف يلعب الشيطان بعقولهم وضمائرهم في تلك اللحظات التي هي بطول الدهر ويتمنى المرء خلالها لو كان ترابا او نسيت منسيا ، حين يعرض عليهم شريط حياتهم في ثواني ، ويتمنون لو يمنحون كل ما لديهم من ثروة على يعودوا لساعة فلا يستطيعون وحينذاك لن يستطيع كل اطباء العالم إنقاذهم ، وتلك ساعة نظم ما بعدها من ندم ، ولمن أمام ، غشاوة الحياة وحول الامل ينسى الغافلون ،قال الله تعالى :(: وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)صدق الله العظيم.
حين يكتشف اللظالمون الحقيقة المرة بعد فوات الاوان قال الله تعالى :(وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ)صدق الله العظيم.
لقد تعلمت با ابني الشيء الكثير ، وأخاف الآن من الخارج ، أخاف أن أخرج فأتجاوز باب مصحة كوفيد 19، ولا أعرف العودة الطبيعية للحياة، فأنا الآن بعد 14 يوما كأصحاب الكهف، استيقضت فوجدت العالم قد تغير، علي، ولكنني في الحقيقة أنا من تغيرت، ولكنني ملزم بالرجوع والمقاومة من أجلك ومن أجل إخوتك وأمك ، فأنتم لا زلتم محتاجين لمجهودي، ولذلك لن أزهد في الدنيا حتى أقوم بالواجب خير قيام، سأرجع لمهنتي الغالية المحاماة ، وزبنائي ومكتبي وزملائي الأعزاء.
يا ابني العزيز هذا المرض هو درس لك كذلك، وهو أنه يجب تستعد لغيابي المفاجيء. في أي لحظة من اللحظات.
أن هذا المرض ينذرك ويدق ناقوس الخطر، ويقول لك عليك أن تكون رجلا، وأن لا تضيع وقتك ، وتستثمر وجودي معك إلى أبعد حد ما دمت معك.
أعرف أنك ولد صالح وطيب وبدون تجارب وحالم ورومانسي، ولكن تشجع وامتلك ناصية الطموح ولا تندهش، ولا تكن حملا فتأكلك الذئاب وكن حذراً في هذه الدنيا ففيها من المخاطر المتخفية وراء الأكمات والأزقة والدروب والتي لا تراها.
افتح عينك كثيرا وانظر بقفاك وانت ،تمشي على الطريق حتى لا تفاجأ. بالغدر ، وكن وفيا لأصدقائك ، الحقيقين ولا تعتد بصداقة أحد إلا بعد التجربة. وصدق المشاعر وحسن النوايا وانتبه للأشرار وابتعد عنهم ولا تشاركهم أسرارك وأحلامك.
واستعن بالله واقترب منه وأقم صلاتك ، وأحب بصدق ، واترك كل شيء لوقته ولا تستعجل وقوع المطلوب قبل الاوان وتحقق شروطه فقد يحرمك الله منه ، فلكل محطة حياة تحاربها.
الآن أنت تدرس في الجامعة المتوسطية بفاس تخصص الذكاء الصناعي وهي شعبة العصر وهي تكلفني . تكاليف كبيرة ومصاريف هائلة.
ولكن كل شيء من أجلك يهون ، وقد ضحيت بالغالي والنفيس حتى لا تقول كان ابي شحيحا وبخيلا معي ،وحتى اضعك أمام مسؤولياتك ، فإن نجحت فهو نجاحك وإن فشلت فهو فشلك.
ورغم كل شيء لا تيأس في هذه الحياة فقد يختار الله لك طريقا آخر ، غير الطريق الذي اخترته لنفسك وقد يوجهك وجهة أخرى.لا تعلمها ، فنحن كالسفينة التائهة في البحر توجهها. الرياح حيث توجهت.
قد يكون مستقبلك في مكان وزمن مختبئا ينتظر. ، للاعلان والكشف عن نفسه ، وفي تجربتي خير دليل على ذلك ، فقد حاولت العمل في مهن كثيرة ، ولم افكر يوما في المحاماة ، وبقيت ثلاثة سنين في حالة العطالة ،بعد حصولي على الإجازة في القانون ، وبعد سنوات من النضال ، والمباريات ، أراد الله أن أسلك هذا الطريق وامتهنه واعيش منه ، والحمد لله فهي مهنة نبيلة لانها تدافع عن المظلومين وتحفظ الحقوق والحريات ،ولكنها مهمة صعبة جدا لانها تحتاج الى صدق التقمص والتشخيص ،كالممثل الذي يلعب الادوار ويشخص شخصيات الكتب والروايات ، على خشبة المسرح ، لابد ان يكون صادقا حتى يقتنع المتفرجون.
ونحن كذلك لا بد أن نتقمص الدور جيدا حتى نصل الى القناعة الوجدانية للقاضي.
وهي مهنة صعبة كذلك لأننا نمارسها في مجتمع نام جل مواطنيه أميون يصعب إقناعهم، وهم يحاولون الوصول إلى تحقيق أهدافهم ومصالحهم بغض النظر عن استحقاقهم لها أم لا.
ولكنه ومع ذلك فهم في اغلبهم اناس عاديون وطيبون ، وقد تعلمنا من قضاياهم وحكاياتهم الشيء الكثير ، بالإضافة إلى ما قراته في بطون الكتب فتجارب الحياة, الواقعية ، تعلمك وتعطيك دروسا حقيقية.
باابني العزيز الآن مضى عليك بفاس عام كامل ، ولم يبق لك الا ايام قلائل وتجتاز فيها امتحانات الدورة الثانية ،اتمنى لك التوفيق والنجاح ، وسيبقى لك اربع سنوات اخرى لتحصل على دبلوم وشهادة مهندس ، لا تقنط واستعن بالصبر. فستمضي هذه السنين سريعا وامتلك ناصية مستقبلك.
جسمك جميل متناسق احسن من جسمي ايام شبابي لأنني كنت خاملا كسولا سمينا و لأنك رياضي مواظب على رياضة كمال الأجسام ،واظب عليها فقد تكون مستقبلا احتياطيا لك وقد تحصل فيها ما لا تنتظر.
لا تنس أمك فهي تحبك، فأحبها كثيرا. ، ولا تنسى اختك الجميلة إخلاص فهي نوارة البيت وقمره ، واقترب من اخيك الصغير المشاكس محيي الدين ، وراقبه وأحبه بلطف.
كن اجتماعيا، ولا تكن فرديا أنانيا انعزاليا ،تواصل مع الناس والعالم افتراضيا ، وواقعيا فالمتواصلون هم الناجحون.
ستكبر ياولدي ،وتتعرض للتجارب الصعبة والافراح والاتراح والأقراح والسعادة والألم ، وستخطأ لكن لا تخطا الأخطاء الكبيرة القاتلة ، التي لا ينهض بعدها أصحابها.
فانتبه واستحضر الله في حياتك وفي كل أعمالك ، فهو يراقبك ويعلم ما تخفي الصدور وما تعلن..
لا يستدرنجك الشيطان الى طريقه فهو خطير وعقلاني وتبريري فلا تستمع اليه واستعذ بالله منه ولا تتبع شهوات نفسك.
والجمها ما استطعت ولا تظلم فالظلم ظلمات يوم القيامة ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، وكل ذلك سيسجل في صحيفة أعمالك.
انت شاب عش حياتك بانطلاق واقتصاد ولا تزهد في الدنيا قبل الاوان وعش طموحك ولحظاتك الجميلة البريئة مع أصدقائك ،سافر ،تعرف على البلدان ،حاول ان تقرأ وتثقف نفسك خارج تخصصك فذلك يضيف لك رصيدا معرفيا في حياتك يجعلك اكثر رصانة ، فالمعرفة كنز لا يفنى.
الحمد لله يا ابني لقد شافاني الله ،بعد ان كنت قريبا من الموت ، وارجعني للحياة ، وساعود للمنزل قريبا ان شاء الله بعد انهاء بعض التفاصيل الصغيرة وانهاء االعلاج بقرار من الطبيبة المعالجة.
سأرجع لكم قريبا كي اكون بجانبك وأدعمك ماديا ومعنويا ونواصل الرحلة والحلم.
،اذهب الى فاس العتيقة حيث درس ابوك ، فنحن نكرر نفس القصة ونسلك نفس الطريق.
عد الى فاس الحبيبة ، حيث تركت قلبي هناك في ازقتها القديمة بالطالعة الصغيرة ، والكبيرة ،ومسجد القرويين ومولاي إدريس ودار ابن خلدون والزاوية التيجانية ومدارسها القديمة والبطحاء ، واسوارها القديمة وقد مر على طرقاتها الصالحون والزهاد والفقهاء والعشاق والفساق والعلماء والفقهاء والمتصوفة والمجاذيب ،والسلاطين ، والهلاك.
من احيائها التي سكنت فيها حي ابن زاكور والدكارات وباب السمارين حيث بائع البخور ، فاس التي ما كنت ابرح وأغادر مكتباتها ،ومكتبة ابن عطية بدرب مولاي علي الشريف المكتبةالحجرية لسي القادري ومكتبة الباحث الهواري ابو دانيال ، ومكتبة البطحاء ،ومكتبة ابن سودة. ومكتبة السي الغربي رحمه الله والتي كنت أدخلها نهارا ولا أغادرها الا ليلا وأكون آخر زبون يغادرها.
وكثيرا ما مررت يا ابني على قبر لسان الدين بن الخطيب الذي قتل واحرق ودفن بباب محروق ، وكثيرا ما اختصرت الطريق الى البيت الذي كنت اكتريه أنا وامي المعنوية المقدسة. امي يامنة، بمروري ليلا عبر المقبرة ، وكثيرا ما كنت أقرأ شواهد القبور على انوار قناديل الطريق.
، ولم يكن عندي حينها ما اخاف عليها فقد كنت شبه معدم ، لولا أعطيات أبي الأسبوعية وبقشيش امي من تجارة الارانب رحمهما الله ، وكذلك ما كنت أربحه واجنيه من تجارة الصيف ، حيث كنت اشتري السلع من شمال المغرب بمدينة الفنيدق المحاذية لمدينة سبتة المحتلة المسماة كاستيخو ، والتي كنت اجلبها من هناك وابيعها في الاسواق الأسبوعية ، وما كنت اجنبيه ياولدي أخصصه كاملا ،بداية كل سنة لمشترياتي الخاصة من الكتب ، وكم كنت اعود فرحا بصنادق الكتب المليئة بالروايات وكتب الفلسفة والتاريخ ،والفقه والحديث .
وقد عرفت اثناء دراستي ومقامي بفاس اصدقاء كثر منهم من لا زلت على تواصل معه.
وقد استفدت من درس كورونا ان الصداقة والصديق شيء. مهم يمنحك القوة والطاقة ساعة اللزوم.
واخبرك يا ولدي أنني تزوجت امك عن حب وعلاقة عاطفةبريئة عذرية ، ولم اندم على ارتباطي بها ابدا فقد مررت بقربي في ساعة من الضجر. والتيه في شارع القنيطرة الكبير فسرقت قلبي ومضت، فتبعتها بدون تفكير ، كالمجذوب بدون عقل والحمد لله على ذلك اللقاء المقدر في اللوح المحفوظ ، فنحن حبة وانفلقت نصفين وكنا ضائعين تائهين كل واحد واحد منا يبحث عن نصفه الاخر وسط الزحام وتهنا كما تاه آدم عن حواء ، وكنت ومنذ الميلاد ابحث عن نصفي وهي تبحث عني الى أن التقينا.
لقد كانت ،صدفة بغير ميعاد ، وها انا وإياها لا زلنا نحتفظ بنفس الحب وهي المراة الصالحة القوامة المصلية المؤمنة التي ارجعتني في مرات من العصيان الى الله ، كانت دائما تقويني وتدعمني في لحظات ضعفي ، وقد أظهرت عن معدنها الأصيل وعن حبها العظيم لي وجزعها وخوفها وبكائها علي ساعة مرضي.
فالحمد لله الذي اكرمني بها ، وما احلاها من علاقة نتح عنها. ظهوركم ، لهذا العالم انت و إخلاص الجميلة واخوك الصغير محيي الدين ، وقد كانت امك الفتاة الجميلة البسيطة ولا زالت.
واخبرك ابني بأنني لم اكن ملاكا فقد اخطات اخطاء صغيرة وكبيرة وانتميت الى تيارات فكرية وسياسية متعددة ، وآمنت بالله وفي ساعات قليلة تشككت وضاع يقيني ، لكنني امسكت به اخيرا فاطمأن قلبي وامتلأ بالإيمان .
وقد كنت سعيدا ياولدي بحياتي بكل تفاصيلها ، ولو خيرت أن اعيدها كما هي بكل تفاصيلها لاخترت اعادتها بكل جزئياتها بثبات وبقين.
ها أذا ارجع وقد استعدت قواي وستستمر الحكاية والحلم ، الى ماشاء الله ، الى ان يفرقنا علوم اللذات ونغرق الجماعات.
وفقك الله ابني العزيز، وحفظك من من نفسك ومن الشيطان ومن الاشرار ومن كل سوء وجعل الله ايامك كلها نجاح وسعادة ، الى اللقاء يا ابني العزيز ياسر.
تعليقات الزوار ( 0 )