الحركةُ بسوق السّمارين وسوق باب مراكش خفيفة، تكادُ تكون منعدمة. وجوهُ العامِلين بالقطاع السياحي بمراكش يعلوها تجهمٌ غريب. الباعةُ وأربابُ المحلات يجلسونَ على مقربةٍ من دكاكين النّقرة والبازارات، ينتظرون الذي يأتي ولا يأتي. سمعوا خبر فتحِ الحدود، فتوجهوا صوب دكاكينهم، لنفض الغبار عن السلع التي فرض عليها كورونا العزل منذ مارس، ومنها من أفسدته “الخملة”. الزرابيُ مبثوثةٌ. اللّكنات المراكشية الضاغطة على حرف التاء تسمعُ مع صوت الشاي في صبيحةٍ مشمسة. أحدهم هناك في الطريق المؤدية إلى “الرحبة” يضعُ القليل من زيت الزيتون وقطعةَ خبز.
المقاهي التي لم تشهد فراغاً تبدو لك الكراسي موضوعة خلفَ الزجاجِ، تشكي خلاصاً، لكأنها تشتاقُ للزبائن الأجانب الذين يعشقون الأسطح والاستمتاع بمنظر الغروب. القصبةُ التي تكون عادة نقطةَ التقاء كل الجنسيات والأعراق، لا وجود فيها للغربيين أو الآسويين أو الأمريكيين. وحدهم السكان الأصليون والمغاربة يمشون على الأرض هوناً. البيعُ والشراء في ركود، و”الكوتشيات” تجرها الأحصنةُ فارغةً.
الدعمُ المتأخر
يقولُ محمدٌ البالغِ من العمر ما يربو على الأربعين، المرشد السياحي بمراكش، إنه طال أمدُ انتظار دعمٍ أعلنَ عنه منذ مدة. وزاد وهو يمررُ يدهُ فوق رأسهِ إنهم حتى بعد أن فتحوا بوابة فنحنُ المرشدون لم يتم التوجه إلينا ببوابة خاصة بنا.
وأشار أن كل المرشدين في حاجة ماسةٍ إلى هذا الدعم، فهم تحديداً الفئة الأكثر تضرراً، لكون الإرشاد مهنة حرة. مورداً أن “هذا الدعم سيساعدنا فعلاً، ولكنه لن يحل كل مشاكلنا، لأنه كان سيكون في وقته لو تم توفيره في أوقات حاسمة بالنسبة لي كأب كمثلاً في فترة عيد الأضحى أو الدخول المدرسي”.
وزاد بخوفٍ فضحته تغيرات ملامحه ونظراته، وهو يتكلمُ مجيء السياح، لأن “الجميع ينتظرهم بفارغ الصبر” خاتماً بقوله “حنا دار لينا الله رزقنا مع الأجانب، والله يدير شي تاويل دالخير.” مذيلاً إياه (القول) بضحكة سريعة.
الفنادق الإنسانية!
وقفَ بدراجتهِ النارية، فتطلّعَ إلى فصيل البدين الوجه، تعلو محياه بعض شعيرات الشيب البيضاء، سلّم من بعيدٍ، ثم طفق يتحدثُ بافتخار عن “إنسانية” رب الفندق الذي يشتغلُ فيه. “وا السيد الله يحسن عوانو ملي بدات الأزمة وهو واقف وما حيد حتا شي خدام، هادي راه الإنسانية لي فالسي عبد الرزاق”.
وأضافَ باستغراب أنه ليست كل الفنادق بهذه الإنسانية، والتي جعلت الربح فوق كل اعتبار وسرحت الكثير من العاملين، بيد أن “الدعم جاء ليصفع هؤلاء عبر فرض ألا تكون المقاولة أو الوكالة أو الفندق قد سرحوا ما لا يزيد عن نسبة معينة كشرط للاستفادة.”
وأكد فيصلُ إلى مسألة غاية في الأهمية، أن الكثير من الفنادق لم تكترث ولم تتخذ أي تجهيزات استثنائية رغم أنباء قتح الحدود، “واقيلا ماعندهمش ريزيرفاسيون ديال الأجانب ولكن على الأقل يتحركو”، رافعاً يديه كأنه يقول العلم لله.
مطاعمٌ بدون أبواب…
تلك الممراتُ التي تفصلك بين الباب ولب الرياضات، تشتكي بآهات البكاء والحنين إلى كل زائر يقتل الصمت ويطرد الهدوء، الذي لا يلائم هاته الأماكن الصاخبة بحركة الزبناء.
يقول أحد العاملين الملقب بالفقيه، وهو من الذين أعرفهم بشكل شخصي، إنه بات يرى الرياض الكائن بشارع الأمير المؤدي إلى ساحة جامع الفنا، وكأنه بدون باب، إن الذكريات تنضحُ في الداخل قرب “الخصّة”، وبمحاذاة الغرف، التي تطبعها علامة إشارية، تمنع الكحول داخل الرياض التقليدي.
ويضيفُ بملامح يسمو داخلها القلق، “أن السياحة لازال ينقصها الوقت الكثير لإعادة البناء كقطاعٍ ذي قوّة، لأنها تدمرت كليةً وسقطتْ إلى الأرْض”.
وبنوعٍ من الإذعان إلى حبّ الرياض، يتحدثُ بعد أن لعق شفتيه بلسانه، فجفافُهما دليلٌ على الارتباك، (يتحدثُ) عن كون الرياض قاسى كثيراً خلال فترة الطوارئ الصحية، “هادشي باين مانحتاجوش نهضرو عليه”، وزاد أن “هذا الدعم هو فقط إنقاذ للعاملين، وليس للقطاع الذي سيحتاج وقتاً وفيراً لكي يعود إلى ما كان عليه، لأن الفيروس لازال في استمرار، وليس بمقدور الدولة أن تجلب السياح بدون إغراءات”.
مآثرٌ خاويةٌ على عروشها!
قبور السعديين ودار الباشا والباهية ودار السي سعيد. تمرّ بالملاح يوم الجمعة ولكن شيئاً ما مختلف. ترى كيف أضحت المتاحف والمآثر عديمة القيمة وتخلو من أقدام الزوار؟
تجيبُ ابتسامُ مبتسمةً، وكأن السؤال مليءٌ بالفلسفة. بعيونٍ بينة ضيقةٍ تحاول أن تخلق الاستثناء بقولها إن المآثر لازالت برمزيتها في نفوس الكل، رغم إغلاقها وتراجع إيراداتها وعدد زوارها.
وأكدت العاملةُ السابقة بدار الباشا، إن الفراغ هز مراكش بكاملها والسياحة التي تحرك عجلتها، لذلك “نتمنى أن تعود الأمور إلى نصابها بعد دخول الأجانب، وأن يتم وضع حد للحجر الصحي، لأن حتى السائح الداخلي يشكل أهمية أيضاً ولا يجب أن نركز فقط على الأجانب، رغم أن هؤلاء يأتون بالعملة الصعبة، ولكنهم ليسوا أفضل من المغاربة من حيث الأهمية السياحية”.
تعليقات الزوار ( 0 )