قضية الإصلاح الديني في العالم الإسلامي عبارة عن أطروحة ثقافية وسياسية، قديمة وجديدة، في آن واحد، وهي تعتبر أنه على الإسلام – أو على عالمه البشري – واجب تدشين ثورته الفكرية الخاصة بغرض إصلاح البنية الذهنية التي رافقته منذ ظهوره. وقد اصطلح على تسمية هذه الثورة المبتغاة بـ: الإصلاح الديني.
إن ” الإصلاح الديني ” مصطلح خاص، لكنه يحتوي أو يشير لوحده لنسق فكري معين أو لإيديولوجيا معينة. والمعنى المركزي لهذه الكلمة الثقيلة هو أن الأديان جميعا تحتاج دائما إلى تغييرات بشرية تطال الجوهر والشكل معا، أي تمس كل شيء في هذه الأديان يقدر الناس أنه أصبح معيقا لحياة أفضل، فيقتضي الأمر إزالة هذه العوائق، أي إصلاح الخلل، من هنا نتحدث عن إصلاح الدين أو الإصلاح الديني، حيث يقترح الفكر البشري– والعلماني خصوصا – مجموعة من الآليات لإصلاح الأديان، ومعظمها يعود إلى زمن الإصلاح المسيحي، بل كثير منها معروف قبل ذلك، لكن أهم هذه الآليات وأخطرها – خصوصا بالنسبة للإسلام الذي لا يعرف مشكلة مصداقية المصادر التي تعرفها المسيحية -، هي: آلية التأويل، أو سلاح التأويل … السلاح ذو الحدين.
وبالبحث في أصول هذا التفكير نجد أنه خلاصة لتجربة تاريخية محددة، هي لأوربا مع المسيحية. لقد وجدت أوربا – أو على الأصح قسم منها – أن الكنيسة عائق كبير في طريق نهضتها، فكان الحل هو الثورة على الكاثوليكية، والتي أطلق عليها فيما بعد: La Réforme، أو ما يمكن ترجمته بالإصلاح الديني.
إذا فهمنا التجربة الأوربية مع الكاثوليكية أمكن لنا أن نقارنها بالتجربة الإسلامية، وأن نجيب عن السؤال الرئيس: هل يجوز الحديث عن إصلاح إسلامي يماثل الإصلاح المسيحي، أي هل يمكن تكرار درس التجربة الأوربية في آخر العصر الوسيط وبداية النهضة ؟
إن المقارنة على مستوى المضامين والاعتقادات بين الدينين، وعلى مستوى الطقوس والعادات، وعلى مستوى الممارسات التاريخية والعمليـة …تجيب عن هذا السؤال بالنفي. فالإسلام ديانة أكثر عقلانية من المسيحية بمراحل، ولا توجد في القرآن أخطاء علمية كما في الكتاب المقدس، وهو ما دلّـل عليه بوضوح الفرنسي موريس بوكاي في كتابه، لذلك لم يصطدم الإسلام بالعلم كما اصطدمت الكنيسة بالفلك خاصة، ولم يضطهد العلماء، ولا توجد عندنا طبقة إكليروس ولا صكوك غفران ولا رهبانية.. إن هذه المقارنة تصحح لأكثرية من المثقفين الغربيين، ولكثير من زملائهم العرب، وهما كبيرا ومنتشرا وخطيرا، وهو أن على الإسلام – مثله مثل المسيحية – إحداث ثورته الخاصة، وإطلاق إصلاح ديني هو – إلى حد بعيد – نسخة أخرى ومتأخرة للإصلاح المسيحي الذي قاده لوثر وكالفن. إن خطأ هؤلاء المفكرين العرب هو حين اعتقدوا في تماثل النسقين الإسلامي والمسيحي.
وإذا كانت فكرة أو إيديولوجية الإصلاح الديني لا تتلاءم مع الإسلام باعتباره ديانة خاصة، ولا مع التجربة التاريخية الإسلامية … فإن هذا الدين يحتوي على إمكانيات ضخمة للنهوض الحضاري يلخصها مفهوم إسلامي أصيل هو: التجديد، وهو مفهوم قادر على الدفع بالأمة إلى الأحسن دون أن تضطر إلى إلغاء هويتها الدينية الراسخة.
وتشير التجارب التاريخية للأمة جميعا إلى أن الإصلاح فيها يكون بالإسلام، فلا محل للحديث عن إصلاح الإسلام. ويمكن أن نمثل لذلك بالمغرب ( المرابطون والموحدون)، أو بالدولة العثمانية ( مسألة الإصلاحات في العصر الحديث)…إنه لأمر مثير للإعجاب والتساؤل يشبه ” القانون ” التاريخي أو الاجتماعي … قانون خاص بالتاريخ الإسلامي، أو لنقل على الأقل يتعلق بهذا التاريخ، وهو أن تاريخ الأمة يدل على أنها لم تعرف ظاهرة إصلاح الدين، كأوربا، وإنما لجأت دائما إلى سبيل الإصلاح بالدين.
إن من خصوصيات التجربة الإسلامية هو أن الإصلاح فيها كان يتم من خلال الإسلام وليس على حسابه، ويجوز أن نرفع هذا إلى مستوى القاعدة التاريخية بحيث يمكن اعتبارها ” سنة ” بالمعنى القرآني لكلمة ” السنن ” …
لامندوحة عن فهم هذا القانون، والوعي بأن قياس الإسلام على المسيحية خطأ علمي بالغ.. خطأ مسؤول عن كثير من الاضطراب الفكري الحاصل في عالمنا العربي منذ حوالي قرن من الزمان.
*مفكر وأستاذ جامعي
صحيح أستاذ، فالإصلاح يكون بالإسلام وليس على حسابه، آه لو فهمنا هذه العبارة لكفتنا