بينما يقترب المغرب من تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يواصل مشروع الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط عام 2007 حصد مزيد من الدعم الدولي، مع تحول مواقف العديد من الدول نحو اعتبار المقترح المغربي «الحل الوحيد الجدي والواقعي» للنزاع في الصحراء، كما كشفت مجلة جون أفريك في تحقيق موسع نُشر بتاريخ 3 يوليوز 2025.
لكن، وبعيدًا عن كون الخطة مجرد حل دبلوماسي لإنهاء نزاع إقليمي، فإنها تحمل في طياتها دينامية سياسية قد تغيّر المشهد المؤسساتي للمملكة، وترسم ملامح مغرب جديد متعدد الأقطاب، من خلال تفعيل مبدأ الجهوية المتقدمة.
المقترح الذي أودعه المغرب لدى الأمم المتحدة في أبريل 2007، يهدف إلى منح سكان الأقاليم الجنوبية حُكمًا ذاتيًا واسعًا تحت السيادة المغربية، عبر تأسيس برلمان محلي وحكومة محلية تتمتعان بصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية في مجالات متعددة، كالثقافة، والتنمية الاقتصادية، والبيئة، والتعليم، مع بقاء مجالات السيادة الثلاث – الدفاع، العلاقات الخارجية، والدين – في يد الدولة المركزية.
وبحسب ما نقلته جون أفريك عن مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن الصيغة المعروضة تتجاوز مجرد “تسوية وسط”، لتشكل مدخلًا فعليًا نحو تعميق الديمقراطية المحلية في الصحراء وربما تعميم النموذج لاحقًا على باقي الجهات في المملكة، ضمن منطق الجهوية الموسعة.
ويشير التقرير إلى أن خطة الحكم الذاتي تحمل تداعيات هيكلية على النظام السياسي المغربي، إذ قد تؤدي إلى إعادة توزيع السلطات بين المركز والجهات، وهو ما يتطلب تعديلات قانونية ودستورية لاحقة، خاصة في ما يخص العلاقة بين البرلمان الوطني والمجالس الجهوية.
ويرى مراقبون أن تنفيذ مشروع الحكم الذاتي في الصحراء سيشكل اختبارًا فعليًا للجهوية المتقدمة، وسيفتح الباب أمام انتقال تدريجي نحو نموذج لا مركزي حقيقي، يعزز من المشاركة السياسية للمواطنين ويعيد الثقة في المؤسسات.
ولفتت المجلة الفرنسية، الانتباه إلى أن الخطة المغربية تحولت تدريجيًا إلى مرجع سياسي في مواقف العديد من العواصم الدولية، من بينها باريس، مدريد، واشنطن، وبروكسيل، حيث بات يُنظر إلى المبادرة باعتبارها “واقعية وذات مصداقية”، خاصة في ظل استمرار تعثر جهود الوساطة الأممية.
كما استعرضت المجلة الرمزية التي تكتسيها الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء (المرتقبة في نوفمبر 2025)، مؤكدة أن هذه المحطة قد تشكل منعرجًا تاريخيًا في ملف الصحراء إذا ما تم إرفاقها بإجراءات ملموسة لإطلاق الحكم الذاتي، بما يعزز ارتباط الساكنة المحلية بالوطن الأم، ويقوي التنمية في الصحراء التي أصبحت واجهة استراتيجية للمغرب نحو إفريقيا جنوب الصحراء.
وبحسب التقرير، فإن تنفيذ الخطة سيعزز من موقع المغرب كقوة استقرار إقليمي، وسيشكل نموذجًا يحتذى به لحل النزاعات الترابية بالوسائل السلمية، خاصة في ظل انسداد المسارات الأممية.
كما يعكس المشروع رغبة المملكة في القطع مع نزعات الانفصال والتمرد، واستبدالها بمنظومة مؤسساتية حديثة تؤمن بالتمثيل المحلي وتحترم الخصوصيات الثقافية.
وفي سياق تنامي التهديدات في منطقة الساحل والصحراء، فإن استقرار الأقاليم الجنوبية ضمن إطار سياسي معترف به دوليًا سيُعزز من قدرات المغرب الأمنية والاقتصادية، ويحول المنطقة إلى جسر تنموي بدل أن تبقى ساحة نزاع مفتوح.
وأشارت المجلة إلى أن هذا الخيار يمثل نقطة تحول في تاريخ المملكة، وفرصة لإرساء نموذج سياسي جديد، يوازن بين السيادة والوحدة الترابية من جهة، والحكم المحلي والمشاركة السياسية من جهة ثانية.
تعليقات الزوار ( 0 )