من هو المتضرر الأول من غياب الحولي هذا العام؟
الجواب: لا تجهد نفسك في الجواب عن هذا السؤال بذكرك الكسابة والباعة والفاخر والمجمر والدوارة، إن المتضرر رقم واحد من غياب الحولي ليس اليتامى ولا الأرامل ولا المساكين الذين كانوا يجدون في حولي العيد لحظة عزاء لحياتهم العسيرة.
إن المتضرر الأكبر من غياب الحولي لهذا العام من عيد الأضحى المبارك، يا عزيزي، هم فراقشية مواقع التواصل الاجتماعي، تجار المواسم، وأرباب الإحسان المباشر.
هؤلاء قوم لا يميزون بين خشوع رمضان وصوف الخروف، ولا بين سورة “الكوثر” وصورة “حولي صردي” على متن دراجة تربورتور. فإذا اقترب عيد الأضحى، تخلوا عن حياتهم التافهة، وارتدوا عباءة التقوى، وطفقوا في بث دموع الرحمة من خلف هواتفهم الخلوية.
تراهم رأي العين، وتسمعهم ملء التيكوتوك واليوتيوب يَجهشون بالبكاء أمام الكاميرا، ثم يسارع أحدهم بالقول: “إخواني، هذا اليتيم كتب لي رسالة تمزق القلب، وأقسم بالله الذي لا إله إلا الله يا إخواني، قال فيها إنه لا يعرف شكل الحولي، ولا رائحة الشواء، ولا حتى معنى العيد…وأوووقسم بالله”.
يُنزل رأسه في خشوع فوتوشوبي، ودموع بلاستيكية تنهمر دون قذى عوار، ثم يرفق مع البث المباشر رقم حسابه البنكي، أو حساب أخيه في مدريد، أو عمته في أمستردام، أو جارهم الأعور الأغبر الذي كان بالأمس يرعى الغنم، وصار اليوم يرعى التحويلات البنكية.
إنهم يخلطون بين الحولي الصردي والحوالة البنكية، فلا تدري أيهما المقصود بالنية: هل هو الكبش الذي يُضحى به؟ أم الكبش الذي تُضحى به الجالية؟
سؤال عجز في الإجابة عنه الباحثون الأكاديميون في التواصل العصبي!
وأما الجمهور المخاطب فهو محدد بإتقان، هو الجالية المغربية المسكينة التي تسكنها روح “تمغربيت”، والتي ما أن تسمع عبارة “أجر عظيم عند رب عظيم كريم”، حتى تسارع إلى إرسال حوالات، وهي لا تعلم يمناها ما دفعته يسراها، ولا يعلم عقلها ما فعله قلبها.
وهكذا تجمع العملة بالدولارات والأوروهات، ويُجمع معها المحتوى: صور لأطفال عراة حفاة، ونساء أرامل ومطلقات مغلوبات، ورجال يلبسون التقوى في القصص، ويركبون السيارات الفارهة، ويملكون العقارات في الواقع.
وها هو قد انتهى موسم الأضاحي، يخلعون رداء الصلاح، ويعودون إلى حكاياتهم المعتادة: قصص “الحريك”، وتحديات “البكاء من دون سبب”، وجلسات “القهوة مع التفلسف الرخيص”.
أما الحولي، فإما أنه لم يُشترَ أصلا، أو أنه ضلّ الطريق وتاه في الغابة بالقرب من عين “اشرب واهرب”، أو أنه ذُبح افتراضيا في فيديو معاد تدويره من عيد 2019.
وإذا سألتَ أحدهم بعد العيد: “أين ذهبت أموال الإحسان؟” أجابك في غضب:
“النية أبلغ من العمل يا أخي المؤمن، هل أنت من أهل سوء الظن بالله”؟
ومع غياب الحولي هذا العام، وجد فراقشية مواقع التواصل الاجتماعي أنفسهم في أزمة وجودية حقيقية، لا أكباش تبعبع، ولا أغنام تُذبح، ولا صور تُنشر، ولا تعليقات تُكتب..!
هناك فقط إعلانات مؤدى عنها بخصوص كبش افتراضي تم ذبحه وسلخه في فيديو “كوبي رايت” يعود إلى سنة2019، يوزع لحمه على شكل لايكات وبارطاج .
وهكذا، تُذبح النية، ويُسلخ الإحسان، وتُشوى الجيوب، كل سنة من قبل فراقشية مواقع التواصل الاجتماعي.
والسؤال: هل كان غياب الحولي الصردي خسارة للمحتاجين وحسب.. أم خسارة لسماسرة الإحسان الرقمي، أي فراقشية السوشل ميديا؟!؟
طبعا، الخاسر الأكبر ليس الكساب وليس العائلات ولا الباعة .. بل الخاسر رقم واحد هم فراقشية مواقع التواصل الاجتماعي الذين تعودوا على تحويل “الحولي الصردي” إلى “حوالة بنكية” تذهب إلى جيوبهم.
إن فراقشية مواقع التواصل الاجتماعي هم الخاسر الأكبر من غياب الحولي الصردي لهذا العام، وهم الخاسرون من المخطط الأخضر الأخنوشي.. هم الخاسر رقم واحد، هم الخاسر الأكبر!
ملحوظة:
لا أقصد أحدا من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي داخل الوطن الذين يقدمون تضحيات كبيرة ويضحون من وراء حجاب، ولا الخارجين عن الإجماع في بلدان المهجر الذين يضحون بما بقي من شعرة تربطهم بالأضحية بالحولي الصردي عندما ينجح المخطط الأخضر وباقي المخططات الأخرى في البلاد.
أنا داخل سوق راسي
تعليقات الزوار ( 0 )