Share
  • Link copied

اسليمي: لماذا لم يعقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره في غزة ؟

في زمن التباسات الانتماء وتقاطع المرجعيات، يحق لنا أن نتأمل مشهد حزب العدالة والتنمية المغربي، وهو يعقد مؤتمره الأخير تحت شعارات توحي بأن الحزب قد خطا خطوة أبعد مما تقتضيه أبجديات العمل السياسي داخل وطنه، نحو عالم رمزي يقتبس من وجدان المقاومة أكثر مما يرتكز على واقعية الممارسة الحزبية.

وفي هذا السياق، جاء تعليق الأستاذ الجامعي ورئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار السليمي، الذي كتب قائلا:”تبين الشعارات التي ترددت هذا الصباح في مؤتمر العدالة والتنمية أن الحزب يتغير، وبات يتجه بوعي أو بدون إلى لباس ‘حركة مقاومة’ أكثر منها حزباً”.

وأوضح السليمي في حديث مع جريدة “بناصا”، أن “القراءة السيكولوجية للشعارات التي ترددت في الجلسة الافتتاحية ومشاهد وهندسة المؤتمر، تجعل الملاحظ يتساءل: لماذا لم يفكر حزب العدالة والتنمية وهو يتجه نحو لباس ‘حركة مقاومة’ أن يذهب لعقد المؤتمر في غزة؟ فمكان عقد المؤتمر هو المغرب وعقل ونفسية بعض المؤتمرين موجودة في غزة”.

وأضاف: “هذا يقودني إلى التساؤلات التالية: هل سيدخل حزب العدالة والتنمية إلى الانتخابات المقبلة بسيكولوجية حزب سياسي أم سيكولوجية ‘حركة مقاومة’؟ وهل سيتقدم في الانتخابات القادمة ببرنامج انتخابي لتحرير غزة؟”.

ومضى قائلا: “تابعنا مؤتمرات لأحزاب الحركة الوطنية وأحزاب اليسار في الماضي، رفعوا شعارات مرتبطة بالقضية الفلسطينية في مؤتمراتهم، ولكنهم لم يصلوا إلى هذا الجنون الذي يجعل البعض ينسى أنه حزب سياسي ويلبس لباس ‘حركة مقاومة’.”

وبأسلوبه الحاد والناقد، يسلط الدكتور السليمي الضوء على التوتر العميق الذي بدأ يعصف بهوية حزب العدالة والتنمية، بين كونه تنظيما سياسيا وطنيا يفترض أن تكون بوصلته هي المصلحة الوطنية، وبين انجذابه العاطفي إلى رمزية المقاومة الفلسطينية حتى كاد أن يغترب عن موقعه الطبيعي.

بين الحلم والواقع السياسي

إن منطق الأحزاب السياسية، في كل الأنظمة الديمقراطية، قائم على التدرج، على إدارة الممكنات لا اجترار العواطف. فحين ينحرف الحزب عن التزامه العملي، ويغرق في رمزية “المقاومة” دون سلاح ولا معركة، يغدو سجين خطاب حماسي قد يكسبه بعض الهتاف الوقتي، لكنه يخسر جوهره كفاعل مسؤول في بناء الأوطان.

وفي المؤتمر الأخير، ظهرت ملامح “اغتراب نفسي” عبّر عنه الدكتور السليمي بذكاء حين أشار إلى أن “عقل ونفسية بعض المؤتمرين موجودة في غزة”، رغم أن الجغرافيا تضعهم في قلب الرباط.

وهنا يبرز سؤال كبير: هل يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يقود مشروعا سياسيا واقعيا لمغرب اليوم، وهو يمارس نوعا من “الانفصام الرمزي” بين موقعه ومسؤولياته، وبين انجرافه نحو خطاب الحشد الخارج عن السياق؟

مقاومة منفى الداخل

وفي الحقيقة، ما يجري يمكن قراءته أيضا من زاوية نفسية أعمق: هل يحاول الحزب أن يهرب من أزمته الداخلية بعد الهزائم الانتخابية والانشقاقات والارتباك التنظيمي، عبر استدعاء رمزيات بطولية خارجية، عله يستعيد بهاءه المفقود في الداخل؟

قد يبدو خطاب المقاومة حلاً مغريًا، إذ يمنح الحزب شعورًا بالتفوق الأخلاقي، لكنه في المقابل يعمق مأزقه: لأن معركة تحرير الشعوب تبدأ بتحرير الذات من أوهامها قبل خوض غمار التاريخ.

مستقبل العدالة والتنمية: حزب أم حركة؟

والمعضلة التي يطرحها السليمي تفتح نقاشا ضروريا: هل سيتحول العدالة والتنمية إلى “حركة مقاومة” عاطفية فاقدة للبوصلة السياسية، أم سيعيد تصحيح مساره ليبقى رقما فاعلا في المشهد الوطني المغربي؟

إن خطر التحول إلى “مقاومة رمزية” لا يكمن فقط في التنازل عن الدور السياسي، بل في فقدان الثقة الشعبية، إذ ينتظر المواطن المغربي حزبا يحمل مشروعا وطنيا قابلا للتنفيذ، لا أن ينشغل برفع الشعارات العابرة للحدود.

حين يضيع العنوان

لقد عرف المغاربة عبر تاريخهم القريب أحزابًا وطنية كبرى حملت القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها القيمية، لكنها لم تسقط أبدًا في خلط الأدوار. لقد فهمت أن تحرير فلسطين يمر أولاً عبر بناء ديمقراطية داخلية متينة، وعبر تقديم نموذج وطني ناجح.

أما العدالة والتنمية، وهو على أعتاب مفترق طرق حاسم، فيحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن يسائل نفسه بجرأة: من نحن؟ وما رسالتنا؟ وهل ننتمي إلى وطن نطمح إلى إصلاحه، أم إلى “مخيم حلمي” نرثي له دون أن نمسك خيوط تغييره؟

وفي انتظار الجواب، يبقى الحزب معلقاً بين سماء المقاومة وأرض السياسة، بين غزة القلب، والرباط العقل.

Share
  • Link copied
المقال التالي