Share
  • Link copied

حين أطفأت إسبانيا أنوارها… المغرب يشعل الشبكة الأوروبية ويثبت أنه الرقم الصعب في معادلة الطاقة بالمتوسط

في لحظة مفصلية من مساء الاثنين 28 أبريل 2025، وبينما غرقت شبه الجزيرة الإيبيرية في ظلام غير مسبوق بسبب انقطاع شامل في التيار الكهربائي، تحول المغرب من مستورد للطاقة إلى مصدر حاسم في إنقاذ الشبكة الإسبانية.

وكشف الحادث، الذي صنف كأحد أكثر الأعطال تعقيدًا في تاريخ الشبكة الكهربائية الإسبانية، بحسب الصحافة الإيبيرية، عن متانة الرؤية الاستراتيجية المغربية في مجال الطاقة، وأكد المكانة الإقليمية المتنامية للمملكة كفاعل محوري في أمن الطاقة المتوسطي.

ففي تمام الساعة 12:32 من زوال ذلك اليوم، وبينما كان المغرب يستورد نحو 778 ميغاواط من الشبكة الإسبانية، باغت الانهيار الشبكة وهدد بجر المغرب إلى دوامة الظلام. غير أن الرباط، عبر المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، تعاملت بحنكة وسرعة نادرة، فعزلت شبكتها عن الاضطراب الأوروبي في وقت قياسي.

وقلبت المملكة المعادلة: من متلقٍ للكهرباء إلى مزوّد بما يزيد عن 519 ميغاواط لإسبانيا، أي نحو 5.5% من إجمالي الطاقة المتوفرة حينها في السوق الإسبانية.

وهذا التحرك لم يكن ارتجاليًا، بل نتاج شراكة طاقية عمرها قرابة ثلاثة عقود، تقوم على بروتوكولات تعاون دقيقة تضمن تبادل الدعم عند الطوارئ، وهو ما أكده المهندس يونس معمّر، المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء، الذي اعتبر أن “الحادث يذكرنا بضرورة التواضع، إذ لا وجود لمناعة مطلقة ضد الانقطاعات”.

ورغم تسجيل بعض “الميكرو-قطوعات” في شمال وشرق المملكة، إلا أن الشبكة الوطنية بقيت مستقرة دون اللجوء إلى تقنين التزود، بفضل مرونة الإنتاج الحراري وزيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة، خاصة في الجنوب حيث تم استغلال المحطات الشمسية والمائية بكفاءة.

ويبرز هذا الحدث قدرة المغرب على حماية سيادته الطاقية في أوقات الأزمات، بل وتقديم الدعم لجيرانه في لحظات حرجة.

وأثبت المملكة أن الاستقلالية الطاقية لا تعني الانغلاق، بل الانخراط في شبكات إقليمية متماسكة، وهو ما عبّر عنه معمّر بدقة: “الاستقلال لا يعني الاكتفاء الذاتي بل تنويع المصادر، والمراهنة على البنية التحتية، والتكامل الإقليمي”.

وفي الوقت الذي يواصل فيه المغرب توسعه في مشاريع الربط الكهربائي – مع مشروع ثالث قيد الإنجاز مع إسبانيا ومشاريع مستقبلية مع فرنسا وموريتانيا – يظل التعاون مع الجارة الجزائر مجمّدًا بسبب إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، وهو ما يعمّق الانقسام المغاربي ويضعف أمن الطاقة الإقليمي.

وعلى ضوء هذا المعطى، يتضح أن المغرب يسير بثقة نحو تعزيز موقعه كمنصة طاقية قارية. فالمملكة التي أطلقت مؤخرًا طلب عروض لبناء أول محطة للغاز الطبيعي المسال في ميناء الناظور غرب المتوسط، تخطط لربط هذه المحطة بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، لإمداد محطاتها الكهربائية ومناطقها الصناعية في القنيطرة والمحمدية.

كما أن مشروع أنبوب الغاز النيجيري – المغربي، رغم تعقيداته الجيوسياسية، يعكس الرؤية المغربية لبناء شبكة طاقية أفريقية – متوسطية تتجاوز منطق الدولة – الأمة نحو تكامل قارّي واقتصاد إقليمي. وهو ما يلخصه معمّر بقوله: “مشروعي الحُلم كان دائمًا بناء احتياطات مشتركة من المحروقات، واستثمارات في الطاقة النووية لصالح المغرب وجيرانه”.

وفي ظل هذه الدينامية، تؤكد الأزمة الأخيرة أن التكامل الطاقي ليس فقط ضرورة بيئية أو اقتصادية، بل ضمانة أمنية واستراتيجية.

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن ما جرى يفتح الباب أمام تصور جديد للشراكات جنوب – شمال، حيث لم تعد العلاقة تقتصر على تدفق الموارد الخام، بل على تبادل فعلي للكفاءة والدعم والاعتماد المتبادل.

Share
  • Link copied
المقال التالي