في العشرين من هذا الشهر ستنتهي مدة حالة الطوارئ الصحية، من الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع تمديد هذه الحالة، لكن التمديد يتطلب هذه المرة قانونا من البرلمان، وهذا ما ينص عليه الفصل 74 من الدستور، الذي ينص على حالة الحصار، في حين ليس هناك تنصيص على مدة التمديد، اذ يمكن أن تقل عن 30 يوما. الا أنه في الظرفية الحالية هناك عراقيل أمام البرلمان اذ كيف سيناقش البرلمانيون هذا القانون ويصوتون عليه مع الحجر الصحي، حيث يعرف البرلمان حضورا في أدنى مستوياته، فلا بد من تصويت جميع البرلمانيين شخصيا، أما التصويت عن بعد، فهو غير مطروح، وفي فرنسا مثلا لم يحضر للبرلمان جميع الأعضاء أثناء التصويت على حالة الطوارئ والذين حضروا أحضروا معهم تفويضا من زملائهم، اذ يسمح الدستور من خلال قانون تنظيمي وفي حالة استثنائية بتفويض واحد عن كل برلماني. أما من الناحية الموضوعية فان تمديد هذه الحالة أو عدمه يعتمد على المعطيات والمؤشرات المتحققة، لقد تم اعلان حالة الطوارئ هاته كاجراء استباقي، اضافة الى التدابير التي تم اتخاذها منذ بداية شهر مارس مع تسجيل أولى حالات الاصابة بفيروس كورونا المستجد، لتطويق انتشار الوباء، وقد استفاد المغرب من تجربة الدول التي انتشر فيها الوباء قبله وقام بهاته الخطوات الاستباقية، دون نسيان الانزلاقات التي أمكن ولازال ممكنا أن تكلفنا كثيرا.
فبعد شهر تقريبا من العمل بهاته التدابير، أكثر من شهر اذا أخذنا في الاعتبار الاجراءات التي اتخذت في مراقبة الحدود، والاستعداد السياسي والتقني وبعد أربعة أسابيع من اغلاق الحدود في وجه كل الرحلات الدولية واثنان وعشرون يوما من اعلان حالة الطوارئ فان عدد الأرقام التي تم تسجيلها الى حدود كتابة هذا المقال هي : الحالات المؤكدة،1661، الوفيات 118، المتعافون 177 و الحالات المستبعدة بعد اختبار سلبي 6943.
ولازال المغرب في المرحلة الثانية من الوباء كما صرح بذلك مدير مديرية الأوبئة، اذ لازال تتبع المخالطين ساريا، فالأرقام المسجلة منذ اكتشاف أول حالة وباء هي أرقام منخفضة لنفس الفترة مقارنة مع بلدان كثيرة، مما يدل على أن تطور الوباء لازال متحكما فيه ولا يشكل خطرا على المنظومة الصحية، هناك دراسات تبين أنه لو لا التدابير التي تم اتخاذها لكانت الوضعية خارج السيطرة، فتطور الوباء يتم ببطئ الآن، ففي الأيام الأخيرة تم تسجيل حوالي 100 حالة في كل 24 ساعة، أما الوفيات فلا تتعدى العشرة إلا مرة أو مرتين تعدت ذلك، فمعدل الوفيات في اليوم منذ أول وفاة هو 4 وفيات في اليوم ونسبة المتعافين في البداية كانت ضعيفة نظرا لأن الحالات كانت قليلة والشفاء التام يتطلب مدة معينة، لكنها بدأت ترتفع مع الوقت وستزيد، لكن الخروج من مرحلة العناية الصحية خصوصا المركزة بسرعة له أهمية كبيرة اذا كثر المرضى في المستشفيات.
فرغم أن عدد الوفيات مرتفع لحد الآن مقارنة مع عدد من البلدان وتتجاوز المعدل العالمي الذي هو 6 في المئة وهذا له تفسيرات كثيرة، الا أن الحالة الوبائية متحكم فيها، فإذا استمرت هاته الوتيرة البطيئة فقد نصل في نهاية حالة الطوارئ الى 3000 حالة يعني مابين 100 و150 حالة جديدة في اليوم، أما الوفيات فربما تصل 300 في المجموع ولما لا أقل، والمتعافون ل 400، وأكثر، اذ قد يتم الاستشفاء بسرعة، كما لوحظ في بلدان أخرى بفعل التكيف مع علاج المرضى واختيار “البرتوكول” الملائم، مما يأثر على العلاج، فالحالة سيبقى متحكما فيها، مع نسبة 15 في المئة التي ستحتاج لعناية مركزة أو انعاش أي حوالي 450 حالة، وضعية لاتدعو للقلق اذا أخذنا بالاعتبار وجود 3000 سرير انعاش، رغم أن هذا يحتاج الى أطر طبية كذلك، والأخذ في الحسبان الحالات المستعجلة لمرضى غير كوفيد 19، لكن الوضع سيظل مستقرا. وهاته الأرقام هي احتمال فقط وليست هناك عملية حسابية، يمكن أن تحدد الأرقام بعد أسبوع لأن الوضع تتحكم فيه مجموعة من العوامل، اذ هذا الوباء ينتشر بسرعة وبطرق غير معروفة كفاية الى حد الساعة.
فإذا وصلنا بهاته الأرقام ووفق هذا التطور في الحالة الوبائية في العشرين من مارس، فهل يعني أننا لن نحتاج الى تمديد حالة الطوارئ؟
الى الآن ليس هناك قرار أو أخبار مأكدة حول تمديد حالة الطوارئ من عدمه، هناك من يتنبأ بتمديدها لأن الاستعدادات اللوجيستيكية مستمرة، رغم أن هذه يمكن أن تساعد حتى في رفع الحجر، ثم اِن هذا التمديد قد تحدده التوقعات التي قامت بها الدولة بخصوص تطور الوباء وهل هي ايجابية أو سلبية، فبلدان قامت بالعمل بحالة الطوارئ وتم تمديدها، كما في الصين حيث وصلت الى 3 اشهر في بؤرة الوباء، وايطاليا، اسبانيا وفرنسا، حيث التمديد مستمر، لكن هاته البلدان بقيت الحالة فيها متفاقمة ولم يكن لديها خيار، غير تمديد حالة الطوارئ وفي اليابان تم اللجوء الى حالة الطوارئ مؤخرا، رغم أنه لم يعمل بها في الموجة الأولى للوباء، هاته الحالة التي لن تطبق كما في بلدان أخرى، هذا ما صرح بذلك رئيس الوزراء هناك، أما منظمة الصحة العالمية فهي توصي الدول بعدم التسرع في رفع حالة الطوارئ، ورفعها وفق استراتيجية، بالتدرج وبطريقة آمنة ويتوجب توافر ستة شروط لذللك :
السيطرة على انتقال عدوى الفيروس، تأمين الصحة العامة والرعاية وتقليل المخاطر في البيئات المعرضة على غرار المرافق الصحية للمصابين بأمراض مزمنة والمسنين واتخاذ تدابير وقاية في العمل والمدارس وغيرها من الأماكن المرتادة ورصد مصادر الاصابات القادمة من الخارج.
هل هاته الشروط ستتوفر في العشرين من أبريل؟ هناك توقعات تتحدث عن ذروة الوباء في نهاية أبريل وبداية ماي، مع ذلك فالوضع سيبقى متحكما فيه، رغم ارتفاع الأرقام، فهل ننتظر مرور الذروة كي يتم رفع حالة الطوارئ ؟ هاته الذروة قد لا تتحقق في المغرب كما هو الحال في بلدان أخرى، اذ قد نشهد تسطيحا أطول اذا استمرت الأرقام في الارتفاع ببطء الى أن تنخفض ببطء كذلك أو بسرعة.
فالحفاظ على حالة الطوارئ في وضعية وبائية غير مقلقة، أليست مبالغة مكلفة ؟ علما أن هاته الحالة معطلة لجل الأنشطة الاقتصادية وتثقل كاهل الدولة بالنفقات، فالدعم الموجه للعاطلين المؤقتين عن العمل يبقى محدودا خصوصا مع طول مدة العطالة، ثم الأعراض الاجتماعية والنفسية للحجر الصحي.. هناك بلدان لم تطبق الحجر الصحي الكامل ورغم ذلك واجهت الوباء بنجاعة مقارنة مع بلدان أخرى طبقته، لكن هاته كانت لها بعض المميزات فهل نتوفر عليها في المغرب ؟
يوجد سعي للعمل بهاته الاستراتيجية ولو أن الفرق كبير في الامكانيات التي لدى تلك البلدان وإمكانياتنا، وأولها البنية التحتية الصحية، اذ نعتبر متخلفين فيها حتى بالنسبة لبلدان افريقية، كجنوب افريقيا وتونس وحتى الجزائر، لكن للمغرب تجربة وخبرة في التعامل مع هاته الأوضاع، فالمسألة تتعلق بالإستراتيجية كذلك وليس البنية الصحية فقط. ان التوفر والعمل على قدر من هاته الوسائل والتقنيات التي أعطت نتائجها في التصدي لهذه الجائحة، سيساعد في الانتقال الى مرحلة تدبيرية أخرى، واذا ما بقي الوضع كما أشير الى ذلك، فهذا مساعد أكثر، كما بدأ المغرب في العمل بإجبارية الكمامات وزيادة الاختبارات، ولو أن حيازة هاته الأخيرة عملية معقدة في الظرفية الحالية، فالآلاف من الاختبارات التي تشير الأخبار الى اقتنائها والتي تبقى قليلة مقارنة مع دول أخرى، لازال الغموض يلف موضوعها، فهاته الوسائل هي التي ساعدت البلدان التي لم تصل الى الحجر الكلي، مع العمل بالتدابير الوقائية كذلك.. ثم توجد وسيلة ينظر لها نظرة مختلفة حسب البلدان، وهي “الاقتفاء الرقمي”tracking للمخالطين، الذي تعمل به الصين وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى، مع وجود اختلاف في التطبيق وهو الآن مطروح للنقاش في أوروبا وسيعمل به ولكن وفق الفلسفة الخاصة للدول الأوروبية، بموافقة البرلمان واحترام المعطيات الخاصة والتوفيق بين الحقوق والحريات والنجاعة التقنية..
فلرفع حالة الطوارئ، يمكن الاستفادة من تجربة الصين مثلا وكيف طبقت الحجر الجزئي، في البلد والكلي بالتركيز على منطقة “ووهان” بؤرة الوباء والتدرج في رفعه، ومن جهة أخرى، من تجربة الدول التي لم تطبقه أصلا وكيف استطاعت احتواء الوباء؛ ففي نظري يمكن تمديد حالة الطوارئ، ولأسبوعين مثلا لتجاوز مرحلة الذروة المتوقعة، على أن يتم تخفيف الاجراءات والسماح ببعض الأنشطة مع الحفاظ على مسافة الأمان وتجنب التجمعات، و من جهة تأخير حظر التجول حتى الثامنة تماشيا مع الفصل الربيعي.. كما أنه في حالة رفع حالة الطوارئ، فيمكن الابقاء على مجموعة من التدابير الى حين، كغلق الحدود، غلق المقاهي والمطاعم، المدارس، المساجد، منع التجمعات.. واختلاف التدابير حسب درجة انتشار الوباء، هاته التي قد تعتبرتمييزا بين المواطنين، الا أن العمل بها في الصين قد كان له نتائج ايجابية، كما أن بلدانا اخرى لديها النظام الفدرالي أو الجهوي تختلف فيها التدابير حسب درجة انتشار الوباء، بل حتى في المغرب هناك اجراءات تختلف حسب المناطق وعدد الحالات بها وهي ليست مقننة ولكن تلاحظ في الميدان.
في نهاية حالة الطوارئ لن يتبقى لحلول شهر رمضان الا ثلاتة أو أربعة أيام، فالابقاء على التدابير كما هي حاليا، قد يؤثر أكثر على الناس في هذا الشهر، لما يعرفه من تغير في النظام اليومي، فأخذ هذا في الاعتبار مهم كذلك، لأن الأهم في النهاية هي الصحة العامة.
شكرا صديقي محمد على هذا المقال المتميز، بالتوفيق