أمام الصمود الأسطوري للمقاومة لمدة 26 يوما دون أن يتمكن العدو الصهيوني من تحقيق أي تقدم استراتيجي باستثناء تدمير البنيات التحتية عن طريق السلاح الجوي واستهداف المدنيين من النساء والأطفال وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف ورجال الدفاع المدني وقتل الأطقم الطبية والصحافيين الذين ينقلون هذه المشاهد إلى العالم، بينما فشل في تحقيق جميع أهدافه المعلنة بدءا بالفشل في القضاء على المقاومة وقدراتها العسكرية، بل فشل حتى في منعها من الاستمرار في إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي المحتلة بما فيها تل أبيب، واستمرارها في تأكيد جاهزيتها العسكرية لخوض المعركة البرية إذا فرضت عليها، كما فشلت مخططاته في التهجير القسري أو الاختياري للفلسطينيين، ولازال سكان غزة صامدون تحت القصف يروون أرض غزة بدمائهم مفضلين الاستشهاد فوق ركام بيوتهم المهدمة وتحت أنقاضها على تكرار مشاهد النزوح الجماعي التي تحتفظ بها الذاكرة الفلسطينية جيدا..
كل ذلك يعني شيئا واحدا، وهو أن ما حدث يوم 7 أكتوبر بغلاف غزة، يعتبر منعطفا تاريخيا فاصلا بين مرحلتين، ومنطلقا لتحليل القضية الفلسطينية انطلاقا من زوايا وأبعاد جديدة، لم يكن من الممكن القيام بها قبل هذه اللحظة بالضبط.
تحولات جديدة من الناحية العسكرية والاستراتيجية من زاوية الوعي التاريخي بالقضية الفلسطينية..
فلأول مرة ينجح الفلسطينيون في توجيه ضربة عسكرية محكمة بنتائج استراتيجية واضحة: عشرات الجنود الأسرى وضرب حصانة المواقع العسكرية ونزع الإحساس بالأمن داخل أزيد من 20 مستوطنة التي يقطنها عشرات الآلاف من المستوطنين وإظهار جيش الاحتلال في صورة العاجز عن حماية أمن “مواطنيه”.
لقد انهارت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وتحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي رسخت في الضمير الجمعي العالمي منذ حرب 1967 بعد انهزام الجيوش العربية أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية التي نجحت بدعم كبير من حلفائها الغربيين في تحقيق نصر عسكري احتلت بموجبه قطاع غزة وصحراء سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية من الأردن ومناطق معينة من شمال الأردن وجنوبه، ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من “أراض احتلتها” في الصراع الأخير، فإن إسرائيل لم تلتزم بتنفيذه، وتمادت في بناء المستوطنات في المناطق المحتلة وأعلنت رسميا ضمها القدس الشرقية مما دفع بمصر وسوريا إلى اللجوء إلى الحرب لاستعادة أراضيهما المحتلة، وانتهت حرب 1973 بقرار آخر لمجلس الأمن رقم 338 الذي دعا إلى إجراء المفاوضات بين الأطراف المعنية من أجل تطبيق القرار 242، وهي المفاوضات التي فشلت..
لكنها نجحت في تحقيق نصر سياسي ونفسي فرضت بموجبه على العرب التسليم باختلال موازين القوى لفائدة دولة الاحتلال، والقبول فيما بعد بمشاريع التسوية والمفاوضات على أساس “التنازل عن الأرض مقابل السلام”..
انتهزت الولايات المتحدة الأمريكية فرصة الواقع الجديد الذي فرضته حرب الخليج في بداية التسعينيات لتطلق مبادرة كبرى لإحياء العملية السلمية – وفق منظور جديد – بدءا بمؤتمر مدريد 1991 الذي انعقد وفق مسارين منفصلين: المسار الفلسطيني – الإسرائيلي والمسار العربي – الإسرائيلي.
انتهى المسار الأول باتفاق أوسلو الذي جرى التوقيع عليه على ثلاث مراحل واشنطن 1993 والقاهرة 1994 والاتفاق النهائي في واشنطن يوم 26 شتنبر 1995، والذي نص من بين ما نص عليه على إقامة سلطة حكومية فلسطينية ذاتية انتقالية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي إلى تسوية دائمة على أساس قراري 242 و338.
بعد مفاوضات عسيرة قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات باتفاق أوسلو برعاية دولية، وهو اتفاق مجحف في حق الشعب الفلسطيني، ومع ذلك فلم تلتزم دولة الاحتلال بالاتفاق وبدأت في وضع الكثير من العراقيل أمامه، ومنذ اليوم الأول أعلن إسحاق رابين الذي وقع الاتفاق بنفسه أنه لن يجري التقيد بالجدول الزمني المحدد للتنفيذ فليس هناك موعد مقدس كما قال..
وانهار الاتفاق من الناحية العملية باستثناء ما يرتبط بالتزامات السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها التنسيق الأمني وما يقابله من تحويلات مالية لتسيير نفقات السلطة وأداء أجور الموظفين، إلى أن قرر شارون الانسحاب من غزة سنة 2005 وهنا انطلق واقع جديد انتهى بتمكن حماس من تدبير قطاع غزة بعد الانتخابات التي لم يعترف بها العالم، واستفراد السلطة الفلسطينية بتدبير الضفة الغربية دون سيادة وباقي القصة معروف..
عملية طوفان الأقصى تعيد التذكير بالقضية الفلسطينية وتضعها في إطارها الصحيح..
ظلت القضية الفلسطينية تراوح مكانها، وتراجعت مبادرات التسوية، وانطلق قطار التطبيع مع الدول العربية، وجاءت اتفاقات أبراهام التي وقعتها عدد من الدول العربية على انفراد، كل دولة لها حساباتها الخاصة، وبدأ الحديث يجري عن التحاق دول أخرى من أهمها المملكة العربية السعودية التي كانت على وشك التوقيع مع إسرائيل وفق ما تسرب من أخبار مؤكدة.
في هذا السياق، جاءت عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر لتعيد تموقع القضية الفلسطينية في إطارها التاريخي الصحيح، قضية شعب يعاني من الاحتلال العنصري الاستيطاني لمدة تزيد عن سبعة عقود، فتاريخ القضية لم يبدأ يوم السابع من أكتوبر كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة حين قال:” من المهم أن ندرك أن هجمات حماس يوم 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ، فالفلسطينيون تعرضوا لاحتلال خانق على مدى 56 عاما”، وهو التصريح الذي جر عليه ردود فعل غاضبة من الساسة الإسرائيليين.
لقد علمنا تاريخ القضية أن مبادرات التسوية لا تنطلق إلا بعد الحرب، فكلما قامت الحرب أو اندلعت انتفاضة شاملة وواسعة إلا وتحركت مبادرات لتطويق النزاع والبحث عن حلول للتسوية، وكلما عم الهدوء تتراجع الجهود الدولية وتتوقف مبادرات التسوية، لتفسح المجال أمام العدو الصهيوني لكسب مساحات جديدة على الأرض عبر المزيد من الاستيطان والتنكيل بالفلسطينيين واستهداف الأماكن المقدسة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، بالإضافة إلى استثمار هذا الهدوء لتطبيع علاقاته مع البلدان العربية، بما يسمح بالتصفية التدريجية للقضية الفلسطينية.
متغيرات جديدة قادرة على تعديل القواعد التي تحكمت في مشاريع التسوية السابقة..
اليوم نحن أمام متغير جديد يتعلق بتعديل واضح في قواعد الاشتباك ربما ستسمح بانطلاق مفاوضات أكثر جدية بين أطراف النزاع بعدما عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية بفضل الإنجاز التاريخي ليوم السابع من أكتوبر، وما تبعه من تضحيات بطولية قدم معها الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والمعطوبين وآلاف المنازل والبنيات التحتية المدمرة، وهي تضحيات لا يمكن، ولا ينبغي أن تذهب سدى..
وفي هذا السياق لابد من التقاط تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن الذي بدأ يتحدث على أن الحل يكمن في دولتين لشعبين، بينما يتحدث شارل ميشيل رئيس المجلس الأوربي عن الحاجة إلى مؤتمر دولي للسلام لحل الأزمة، أما توماس فريدمان الصحافي اليهودي الذي لا يخفي دعمه الكامل لإسرائيل، ما فتئ يرسل النصائح لبايدن بأن يعمل ما في جهده لإقناع نتانياهو ومن يدور في فلكه برسم أفق سياسي لما بعد الحرب على أساس حل الدولتين.
وحده دينيس روس وهو الذي كان الرجل الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط أثناء ولاية إدارة كل من جورج بوش الأب وكلينتون، حيث كان يعمل مع وزراء الخارجية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت، من كتب مقالا يوم 27 أكتوبر على صفحات النيويورك تايمز يعتبر فيها بأنه لم يعد مقتنعا بأي مشروع للسلام لا اليوم ولا غذا إلا بعد القضاء على حماس..ولذلك فهو ضد وقف إطلاق النار على غزة كما كتب في مقاله، لكن مع ذلك يؤكد بأن هناك حاجة إلى حل سياسي مع الفلسطينيين، يعني يريد تسوية بدون حماس..وهو التحليل الذي لا يراعي التداعيات المحتملة على صعيد النظام الدولي، بما يعني أن الولايات المتحدة لن تكون هي اللاعب الجديد..
ملامح نظام عالمي جديد بتوازنات دولية جديدة..
الزاوية الثانية التي تفرض نفسها بعد عملية طوفان الأقصى، فهي على مستوى التداعيات المؤكدة على طبيعة العلاقات الدولية بما يسمح بتشكل ملامح نظام عالمي جديد بتوازنات دولية جديدة، خصوصا إذا اتسع نطاق الصراع وأخذ أبعادا إقليمية باشتعال جبهة الشمال والانخراط التدريجي لحزب الله في هذه الحرب كليا أو جزئيا، وهو ما لا يمكن استبعاده خصوصا بعدما أعلنت الولايات المتحدة إرسال حاملتي الطائرات “يو أس أس جيرالد فورد” و”يو أس أس أيزنهاور” وسفن دعم لهما، ونحو 2000 من مشاة البحرية، فضلا عن بطاريات “ثاد” وبطاريات إضافية من نظام “باتريوت”، فضلا عن بعض التعزيزات الأخرى الغير المعلنة. ورغم تأكيد البنتاغون بأنه لا يريد توسيع رقعة الصراع، إلا أن التحالف الغربي الواضح مع إسرائيل مستمر في تقديم الدعم المتواصل لإسرائيل لجرائمها عبر الزيارات المتواصلة لرؤساء الدول والحكومات من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، كل هذه المعطيات تؤشر على إمكانية اتساع دائرة الصراع.
في هذا السياق يمكن قراءة التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي بوتين التي اعتبر فيها بأن “العالم الأمريكي ذو الهيمنة الأحادية ينهار ويصبح تدريجيا جزءا من الماضي” معتبرا أن “الأمم المتحدة تتعرض للاضطهاد”، وتأكيده أن “مساعدة الفلسطينيين لا سبيل لها إلا بقتال من يقفون وراء الصراع ونحن نقاتلهم في أوكرانيا”، كل هذه المعطيات تؤكد أن موقع روسيا على الساحة الدولية سيتحسن بالنظر لاستفادته من التورط الأمريكي المباشر في الحرب، وبالنظر للمكتسبات التي يحققها في حربه في أوكرانيا، في مقابل تراجع الدور الأمريكي الذي فقد جزءا كبيرا من مكانته الاعتبارية والأخلاقية، وهو ما يسمح بالحديث عن تحولات جديدة على صعيد النظام الدولي ستنعكس إيجابا على تطورات القضية الفلسطينية، خصوصا إذا نجحت المقاومة في الحفاظ على مناعتها وعجز العدو الصهيوني عن تحقيق أهدافه المعلنة، وهو ما سيفتح الآمال أمام تحرير الأرض والإنسان، عبر مبادرة جدية لتسوية مقبولة للقضية الفلسطينية، بناء على الواقع الجديد..وهو أحد السيناريوهات المحتملة.
ماذا عن السيناريوهات الممكنة في المستقبل؟
في سنة 1996، أي قبل 27 سنة نظمت أكاديمية المملكة المغربية ندوة دولية تحت عنوان “وماذا لو أخفقت عملية السلام؟”، كان عنوانا استشرافيا موفقا يعكس الحس الاستباقي للملك الراحل الحسن الثاني وقدرته على وضع السيناريوهات المختلفة لتطور الأحداث، كان عنوان الموضوع من اقتراحه خصوصا وأن الأسس التي بني عليها اتفاق أوسلو جعلت منه تسوية غير عادلة، وجعلت الكثيرون يتوقعون انهياره إذا لم يتم تدارك الموقف، كانت توصيات الندوة وخلاصاتها تشدد على ثلاث عناصر أساسية:
– ضرورة تغير السياسة الإسرائيلية – ضرورة بناء جبهة عربية موحدة – دور ضامني السلام الدوليين.
مرت ثلاثون سنة على اتفاق أوسلو، لم تتغير السياسة الإسرائيلية بل ازدادت تطرفا، ولم يتمكن العرب من بناء جبهة موحدة بل ازدادوا تفرقا، وتبخرت الضمانات الدولية للسلام بالانحياز المكشوف والتواطؤ العلني للقوى الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية للسردية الإسرائيلية ودعمها بالوسائل العسكرية والسياسية.
اليوم هناك حاجة مستعجلة لوضع سيناريوهات ما بعد طوفان الأقصى، وعلى صانع القرار العربي أن لا ينجر إلى الحسابات السياسية المبنية على المعادلات السابقة، اليوم تغيرت قواعد الاشتباك وأصبحنا أمام معادلات جديدة.
السيناريو المتفائل هو نجاح المقاومة في تحصين نصرها الاستراتيجي، وذلك عبر خروجها سالمة من هذه الحرب، بغض النظر عن حجم الأضرار في الأرواح ولاسيما في صفوف المدنيين، وحجم الدمار الذي يلحق بالبنيات التحتية وبالعمران وبالأماكن المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وهذا البعد القانوني من الضروري أن يكون محل متابعة أمام القضاء الجنائي الدولي ، وقد أعلن المدعي العام للمحكمة عن اعتزام المحكمة فتح تحقيق قضائي في هذه الجرائم، وتحركت مجموعة من المنظمات الحقوقية لتبني هذه القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن ما يهمنا أن هذا السيناريو سيؤدي إلى فتح آفاق جدية لسلام حقيقي في المنطقة، أعتقد أن حماس ستكون مستعدة للانخراط فيه بناء على المعادلات الجديدة.
أما السيناريو المتشائم، فهو نجاح مخطط القضاء على المقاومة وعنوانه القضاء على كتائب عز الدين القسام والفصائل العسكرية الأخرى، قضاء نهائيا، كما أعلن قادة الاحتلال الإسرائيلي، وكما تعززه الممارسة الأمريكية على الأرض، وهو ما يعني نهاية القضية الفلسطينية وتصفيتها بشكل نهائي، ويمثل تهديدا حقيقيا للأنظمة العربية وتشجيعا للمنظور التوسعي للمشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا وأوربيا.
في ضرورة تطوير موقف عربي سريع معاكس لنظرية دينيس روس الصهيونية..
في مقالة دينيس روس التي أشرت لها سابقا تحريض كبير ضد حماس إلى درجة القول بأن احتفاظ حماس بقوتها يعني أن “جزءا كبيرا من الشرق الأوسط سيبقى رهينة لأهدافها”، ويعتبر بأن الحملة البرية ستكون باهظة الثمن ولكنها ضرورية لأن هزيمة حماس لن تتم بالضربات الجوية فقط، ويعتبر أن هزيمة حماس تعني فقدان القدرة على شن الحرب في غزة وفقدان القدرة على إعادة بناء القدرات، ويضمن بقاء إسرائيل في غزة بعد انتهاء القتال حتى تتمكن من تسليمها إلى نوع من الإدارة المؤقتة لمنع الفراغ، هذه الإدارة تتشكل من تقنوقراط فلسطينيون – من غزة أو الضفة الغربية أو الشتات – تحت مظلة دولية، تشمل الدول العربية وغير العربية، فعلى سبيل المثال، يمكن للإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب ومصر توفير الشرطة لضمان الأمن للإدارة المدنية الجديدة والمسؤولين عن إعادة الإعمار، ويمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر توفير الجزء الأكبر من التمويل لإعادة الإعمار، ويمكن لكندا وغيرها أن توفر آليات رصد لضمان أن تذهب المساعدة إلى أغراضها المقصودة، كما يعتبر بأن إدخال المساعدات إلى غزة بسرعة وبدء جهود إعادة الإعمار بمجرد توقف القتال يمكن أن يساعد في إظهار السكان أن الحياة يمكن أن تتحسن عندما لا تعود حماس يحتاج القادة السياسيون في إسرائيل إلى التأكيد بوضوح وعلانية على أنهم سيغادرون غزة ورفع الحصار بعد هزيمة حماس عسكريًا.
إن التحليل الذي يقدمه دينيس روس يكشف بوضوح عن النظرة الصهيو-الأمريكية للأنظمة العربية، التي ينحصر دورها باختصار في خدمة المشروع الصهيوني بشكل وظيفي والتعامل معها باعتبارها فاقدة لمقومات الانتماء للأمة العربية الإسلامية، وتجاهل مشاعر ملايين العرب والمسلمين الذين نزلوا للساحات للتعبير عن مساندتهم للقضية الفلسطينية ورفضهم للعدوان الصهيوني، وهو ما يعني المزيد من تعميق الهوة بين الأنظمة العربية وشعوبها وتوفير الشروط المشروعة لانتفاضات جديدة في العالم العربي تؤدي للمزيد من الاستنزاف والاحتراب الداخلي والمزيد من التجزئة والضعف والتفكك.
رئيس الوزراء ومدير المخابرات الأردني الأسبق أحمد عبيدات قال بالحرف: “إذا هزمت المقاومة الفلسطينية في معركة الطوفان سيبدأ مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وسينقل الصراع إلى الأردن”، واعتبر عبيدات أن الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين المحتلة إذا أرادت البقاء فضمانتها للبقاء حاليا اسمها : المقاومة الفلسطينية، وقال: “إن حالة الغليان في العالم العربي سيكون لها ما بعدها، ولن تقف عند هذا الحد”.
لذلك، وبناء على ما سبق
فإن الموقف السريع المطلوب عربيا هو بعث الرسائل المباشرة برفض العدوان عبر وقف مسلسل التطبيع وقطع العلاقات مع دولة الاحتلال، لأن استمرار التطبيع مع الكيان الصهيوني يعني توقيع شيك على بياض لاستمرار إسرائيل في جرائمها، وفي هذا السياق لابد من تقييم الموقف العربي والإسلامي وبحث ممكنات تطويره في اتجاه خدمة مشروع التحرير الفلسطيني والتحرر من وهم إمكانية بناء علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال لخدمة مصالح الدولة العربية القطرية، والاستثمار في تقوية الجبهات الداخلية والمصالحة مع القوى الحية في البلدان العربية لتعزيز مواقفها وتحصين مواقعها أمام دول التحالف الغربي التي كشفت عن نواياها الحقيقية.
ثانيا، بناء موقف عربي وإسلامي موحد والضغط بكافة الوسائل من أجل وقف العدوان وحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية المتواصلة وضمان وإطلاق قوافل المساعدات الإنسانية لإنقاذ الشعب الفلسطيني وإعادة إعمار ما هدمته الحرب.
ثالثا، الضغط من أجل إعادة النظر في مسار التسوية عبر ربط أي مشروع للسلام بحقيقة الاحتلال وما ارتكبه من جرائم تاريخية في حق الشعب الفلسطيني تتجاوز بكثير المزاعم المتعلقة بالأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية..
تعليقات الزوار ( 0 )