Share
  • Link copied

حالة السكر وتأثيرها على التكييف القانوني للأفعال الإجرامية: قراءة في واقعة سب المقدسات وإهانة الشرطة من طرف محام

تُطرح في الساحة القانونية المغربية من حين لآخر وقائع معقدة تستوجب قراءة دقيقة ومزدوجة للقانون، خاصة حينما يتعلق الأمر بمزج بين الحالة النفسية أو الفيزيولوجية للفاعل (كالسكر)، وطبيعة الأفعال المرتكبة (مثل سب الذات الإلهية أو الملك أو رجال الأمن). ومن بين هذه القضايا، تلك التي أثارتها حادثة توقيف محامٍ في حالة سكر طافح، أقدم خلالها على سب الذات الإلهية، وملك البلاد، وعناصر الشرطة.

أولاً: التكييف القانوني لحالة السكر في التشريع المغربي

القاعدة العامة في القانون الجنائي المغربي أن السكر الإرادي لا يُعد سبباً لرفع المسؤولية الجنائية، بل قد يُعتبر ظرفاً مشدداً إذا رافقته أفعال عنف أو مساس بالنظام العام. وقد نص الفصل 134 من القانون الجنائي على أن فقدان الشعور أو العقل لا يُعفي من المسؤولية إلا إذا كان ناتجاً عن سبب خارج عن إرادة الجاني.

أما إذا تعمّد الشخص تعاطي المسكرات، فهو مسؤول جنائياً عن كل ما يترتب عن حالته تلك من أفعال. وهذا ما ينطبق تماماً على حالة المحامي المذكور، الذي دخل في حالة سكر باختياره، ثم صدر عنه سلوك يكتسي طابعاً جنائياً.

ثانياً: خطورة الأفعال المرتكبة وتكييفها القانوني

سب الذات الإلهية: هذا الفعل يُعد مساساً بالمقدسات الدينية، ويقع تحت طائلة القانون المغربي الذي يُجرّم الأفعال المخلة بالشعائر والمقدسات. ويمكن تكييفه ضمن الفصول التي تتعلق بزعزعة العقيدة أو إهانة الشعائر الدينية.

سب المؤسسة الملكية: يُعتبر من أخطر الجرائم في القانون المغربي، ويُعاقب عليه الفصل 179 من القانون الجنائي، باعتباره مساساً بالاحترام الواجب لشخص الملك، الذي يتمتع بحصانة قانونية ودستورية باعتباره رمز وحدة الأمة واستقرار الدولة.

إهانة رجال الأمن أثناء أداء مهامهم: تندرج هذه الأفعال ضمن مقتضيات الفصل 263 من القانون الجنائي، الذي يُعاقب على الإهانة أو التهجم أو السب الموجه إلى موظفين عموميين أثناء أو بسبب مزاولتهم لمهامهم.

ثالثاً: هل يؤخذ السكر بعين الاعتبار في التكييف؟

يُطرح السؤال حول مدى تأثير حالة السكر الطافح على التكييف القانوني لهذه الأفعال. من الناحية القانونية:

السكر لا يلغي الركن المعنوي للجريمة متى كان الشخص قد دخل في تلك الحالة بإرادته.

في مثل هذه الحالات، لا يُؤخذ السكر كعنصر مخفف، بل يُمكن أن يكون دليلاً على الاستهتار بالقانون وغياب الوعي الاجتماعي المهني، لا سيما إذا تعلق الأمر بمحامٍ يُفترض فيه معرفة تبعات أفعاله.

القاضي قد يُراعي الجانب النفسي أو الظرفي إذا ثبت وجود عنصر مرضي أو اضطراب عقلي طارئ، لكن ذلك يخضع لتقارير طبية دقيقة ولا يُبنى فقط على ادعاء السكر.

رابعاً: خصوصية الفاعل كونه محامياً

المحامي، رغم أنه مواطن عادي أمام القانون، إلا أن القانون المنظم لمهنة المحاماة يمنحه بعض الضمانات الإجرائية، مثل إشعار هيئة المحامين عند توقيفه. لكن هذه الضمانات لا تُعفيه من المساءلة عند ارتكاب أفعال تمس النظام العام أو تشكل جرائم واضحة، خاصة إذا كانت مرتبطة بالاحترام الواجب للمؤسسات الدستورية.

في واقعة كهذه، لا يمكن اعتبار حالة السكر الطافح مبرراً قانونياً لتبرئة الفاعل أو تخفيف مسؤوليته عن أفعال مثل سب الذات الإلهية أو الملك أو رجال الأمن. بل تُعتبر هذه الأفعال جرائم قائمة بذاتها، يُكيفها القضاء المغربي وفق خطورتها، بغض النظر عن الحالة الذهنية الجزئية للفاعل، ما دامت تلك الحالة كانت ناتجة عن إرادة حرة.

هذه القضية تسلط الضوء على ضرورة تعزيز الوعي القانوني والمهني، خاصة في صفوف المشتغلين بالقانون، بضرورة احترام القيم الدستورية والدينية، بغض النظر عن الظروف الشخصية التي قد يمر بها الفرد.

Share
  • Link copied
المقال التالي