شارك المقال
  • تم النسخ

جر القطيع إلى التطبيع… دراما رمضان إلى أين؟

يكثر الحديث عن الدراما العربية مع إطلالة كل شهر فضيل، مند عقدين تقريبا، بعد خروج الأعمال المقدمة عن الخط المعهود مجتمعيا. وتخصيص الحديث لإنتاجات رمضان ليس لأن المقدَّمة في غيره من الشهور قد حظيت بالقبول، وإنما لخصوصية الشهر المذكور عند العرب المسلمين، ولكون رمضان يمثل فرصة تجتمع فيها الأسر حول التلفاز وغيره من الوسائل الإعلامية، مما يجعله سوقا لتصريف إنتاجات العاملين في القطاع.

وما يجعل صوت التساؤل حول هذه الأعمال يعلو في كل مناسبة هو ما تقدمه تلكم الأعمال الدرامية من تطبيع مع بعض الأشياء التي تعتبر نشازا في المجتمع. ذلكم أن الأشياء الغريبة عن المجتمع، والمنبوذة من قبله؛ لا يمكن تقبلها رويدا رويدا إلا من خلال التطبيع معها بواسطة مشاهدتها عبر التلفاز مثلا، لتصير فيما بعد أمرا عاديا، ولربما يرقى إلى كونه علامة على التحضر وارتفاع مستوى الحقوق الفردية في المجتمع.

إن ثمة مبادئ (وهي كثيرة جدا) تمثل قناعة مشتركة بين مكونات المجتمع إلى عهد قريب، ولم يكن للمخالفين لها وجود أو صوت يسمع لشذوذ المخالفة وغرابتها عن معتقد المجتمع العام؛ لكن مع تقدم السنين أصبحت الكفة شبه متساوية بين الطرفين. بل إن الأبواق الإعلامية قد هضمت حق أرباب تلكم القناعة المشتركة في الوجود والتعبير.

ولنا أن نتساءل في هذا الصدد عن مهمة الإعلام الحقيقة ما هي بالضبط؟

هل هي (ما يقال دوما من كونه) تصوير للواقع؟ أو تحليل للظواهر المجتمعية؟ أم تهيئة المجتمع لتقبل تصرفات وأفكار غريبة عنه؟ أم تسويق لبعض الآراء المنافية للقناعات المشتركة اجتماعيا؟

إن المتتبع لبعض الإنتاجات بعين الناقد يسهل عليه استنتاج كون هذه الأعمال في معظمها غير بريئة، أو يمكن مناقشتها ومساءلتها  من هذا الجانب على الأقل. وذلك من خلال النظر في القضايا التي تتمحور حولها عُقد الدراما، والتي لا تتجاوز الطمع في المال أو السلطة أو الجنس. ومن خلال النظر أيضا في القاموس اللغوي المستعمل. وتصرفات العنف والاضطهاد تجاه مكونات مجتمعية بعينها.

ثم لماذا لا تكون مهمة الإعلام ترقية ذوق المتتبع العربي، وتنمية مهاراته الخطابية، وسلوكه الحضاري. خاصة في جانبه الملقى للناشئة.

وأقبح ما تلجأ إليه الدراما هو النقطة التي هي فيها الآن، وتتعلق بتبرير التطبيع مع الأفكار والتصرفات والمبادئ الغريبة عن المجتمع المنافية لقيمه.

فما معنى أن يتم مناقشة جدوى التعاون مع الكيان الصهيوني بكل أريحية، مع تخوين المقاومين الميدانيين له الذي هضمت حقوقهم وآخرها الآن الاعتراف بجهودهم ونيابتهم عن الأمة النائمة؟

وما معنى تقديم طفل/ طفلة صغير يسيء إلى الكبار ويتجاوز حدوده كثيرا بكل وقاحة، على أنه ذكي وقدوة؟ ناهيك عن الألفاظ التي لا تناسبه وترد في الحوار الخاص به في السيناريو.

وما معنى تلكم العبارات التبريرية الكثرة جدا لكل ما هو دخيل على مبادئ المجتمع؟

وغير ذلك من التساؤلات التي توصلك بقليل من التفكير إلى رغبة منتجي هذه الدراما قلب حقائق ومسلمات المجتمع العربي.

الدراما صناعة، وكل صناعة لا تقوم إلا على أهداف؛ فتقديم المحتوى الإعلامي لا بد أنه يستند إلى أهداف يتم معالجتها من خلال شخوص/ شخصيات. وما لم تستقم الأهداف مع قيم المجتمع ومبادئه فلا ننتظر إنتاجا مقبولا أبدا.

ولا بد مع ذلك أيضا من تقديم المحتوى بلغة راقية تتجاوز العنف اللفظي والتصرفات المنبوذة، وتهتم بصناعة ثقافة التذوق عند المتابع. فلا يعقل أننا لا زلنا نشاهد الاستهزاء وممارسة الإضحاك بلهجة البادية، أو بالمعاق الذهني، أو فاقدي الذاكرة. إذ كل هذا يتنافى مع الحقوق العامة الإنسانية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي