منذ أن تتالت الفتاوى الشرعية، من شخصيات أو هيئات علمية معتبرة، تدعو إلى ضرورة تعليق صلاة الجماعة والجمعة ، إلى أن يرفع الله بلاءه، ورغم تضمن تلك الفتاوى الى الدليل والتعليل ، والتي جمعت بين فقه التأصيل والتنزيل، إلا أنه والى هذه الساعة ، وخاصة في هذا اليوم ، لا يزال أناس يتباكون على إغلاق المساجد ، و يتأسفون على هذا الوضع الاستثنائي، وهم في الحقيقة معذورون من جهة العاطفة الدينية التي قد تطغى على العقل و تتعامى عن رؤية النقل، ولكن بات الأمر مبالغا فيه، وأرى أن بوصلة دموعهم وتباكيهم قد تاهت كثيرا !!
وذلك أنهم :
يتباكون على مساجد قد خوت من عمّارها مؤقتا ولا يبكون على مستشفيات خاوية من المعدات والأدوات، التي تنقذ أرواح الخلق !!
يتباكون على مساجد أنفق عليها أموال طائلة في زخرفتها ونقوشها، ولا يبكون على مصحّات تفتقر إلى أبسط أدوات الإسعاف !!
يتباكون على مساجد أكثرها (لا كلها) قد تعطلت رسالته، التوعوية والتثقيفية، ولم يحسن خطباؤها الا تسويق الخطاب الكهنوتي “الميتافيزيقي “، الذي هو شبيه بخطاب كهنة القرون الوسطى، حيث لا يجيدون من خلاله إلا الحديث عن الروحانيات، والأخرويات، دون التطرق للمشكلات الحارقة للمجتمع، والتي جاء الإسلام ببيان حلولها ،، حتى استقر في أذهان أكثر المسلمين أن الدين دين الموت وليس دين الحياة ، فكان هؤلاء الخطباء عونا على النفرة من الدين واحتقاره ، و تغلل الفكر الإلحادي المادي في الأمة !!
يتباكون على مساجد قد حولها طغاة العرب إلى أبواق تشرعن وتبيض سياستهم الفاسدة الظالمة ، فصار كثير منها أشبه بمساجد الضرار ، وأخرى في بلاد الغرب هي عبارة عن سفارات وقنصليات موازية، تعمل على تكريس عروش الظلم والاستبداد في بعض بلاد المغرب العربي !!
ولا يبكون على خلو بيوت الأبطال والأبرار و الصادقين من رجالاتها، الذين يقبعون في غياهب الزنازن، لا لشيء إلا لأنهم قالوا كلمة حق عند سلطان جائر !!
يتباكون على مساجد لا تقدم في أغلبها بعد الصلوات الخمس الا الصراعات الفكرية والفقهية، والجدل البيزنطي العقيم ، ولم تقدم أي نوع من أنواع العلوم النافعة للانسانية كما كانت في عهد الأندلس !!
ولا يبكون على خلو كثير من جامعاتنا من الكفاءات و العباقرة الذين هُجّروا بعد احتقارهم والاستخفاف بهم ، وها نحن نقف طوابير ننتظر علماء الغرب أن يمدونا بجرعة اللقاح لفيروس كورونا القاتل ….
هكذا تتباكون كالثكالى ، ولا والله لا أبكي ولن أبكي على تلك المساجد ، ولا على خطبها ولا على شيء فيها ، لأنني عقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله( فحيثما كنت فادركتك الصلاة فصل فقد جعلت لي الأرض كلها مسجد ).
لا أبكي ولن أبكي، بعدما عقلت قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قيل له ( ألا تكسو الكعبة المشرفة بكسوة من حرير ؟، فقال الفقيه الانساني: بطون جياع المسلمين أولى من كسوة الكعبة ).
لا لن أبكي على خطب الرياء والتمثيل، أو خطب التحريض أو للتنويم ، التي ما نفعت المسلمين في شيء غير مزيد من التخلف والجهل و التطرف، بل أبكي على غياب مراكز البحوث العلمية ، في مثل هذه الأزمة الخطيرة ، وقلة وسائلها.
بل والله ولا ولن أبكي على خلو المسجد الحرام ولا المسجد النبوي ، اللذان تحول منابرهما إلى بوق للدعاية السياسية ، و أداة في أيدي خونة القبلة الأولى و الضالعين في صفقة القرن الزائفة ، أم نسيتم كذب السديس! ودجل بقية الجوقة وتدليسهم للحقائق ، مع أن ظهورهم لاصقة لبيت الله الحرام!! لم ولن أنسى ذلك النفاق الذي عجت به منابر الحرمين الشريفين ، حاشى الصالحين المخلصين.
فابكوا ان شئتم حتى تنقطع منكم الدموع ، أما أنا فلن أبكي لبكائكم ، وما بكائي الا على وضع أمتنا في كل وقت وخاصة في هذه المرحلة الخطيرة.
وأعلم أن كلامي قاس و شديد على الذين تغلبهم العاطفة الدينية، وممن لا يعجبهم هذا الطرح، لكن لا يهم !!
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
*عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تعليقات الزوار ( 0 )