شارك المقال
  • تم النسخ

تونس في المزاد الدولي

أدرك الغربيون، ومنهم الأوروبيون، بشكل واضح، أن الرئيس التونسي قيس سعيّد يختلف تماما عن كل الرؤساء الذين حكموا تونس منذ استقلالها، فأسلوبه في الحكم حالة فريدة أوقعتهم في استياء متكرّر، إذ كلما توجّهوا بخطاب يستند إلى مرجعياتهم، المعتمدة منذ فترة طويلة ووفق الشراكة القائمة بين تونس والاتحاد الأوروبي، يتصدّى لهم بطريقة واحدة تتكرّر في كل مناسبة، يتجاهلهم، ويحتج عليهم، ويتّهمهم بالمسّ من سيادة البلاد ومحاولة التدخل في الشؤون الداخلية، ويذكّرهم بأنه يحكم باسم الشعب وينفذ إرادته.

تجد هذه الأطراف، اليوم، نفسَها في مأزق غير مسبوق. في البداية، دعمت ما حدث في 25 يوليو/ تموز 2022، ورفضت وصفه بالانقلاب، وفي الوقت نفسه، اكتفت بتوجيه النصح للرئيس باحترام المبادئ العامة للديمقراطية. ثم اضطرّ سفراء الدول السبع الكبرى في تونس إلى إصدار بياناتٍ مشتركة بشأن الأوضاع، قبل أن تتوالى زيارات وفود رفيعة المستوى التقى بعضها رئيس الدولة، وحاولت أن تتوصل معه إلى اتفاق، لكنه رفضها جميعا.

هناك شعور عام حاليا بأن الوضع يسوءُ بشكل سريع وخطير، فالاتحاد الأوروبي يتعرّض لضغوطٍ من البرلمان الأوروبي الذي أصدر لائحة شديدة اللهجة عن أوضاع الحريات، وطالب بحجب المساعدات الموجّهة إلى كل من وزارتي العدل والداخلية. من جهةٍ، يخشى الاتحاد أن تؤدّي العقوبات الاقتصادية إلى انهيارٍ شاملٍ من شأنه أن يحوّل تونس إلى منطقة مخاطر تهدّد الأمن القومي لدول جنوب أوروبا. لقد اعتبر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل، أنه “إذا ما انهارت تونس اقتصاديا اجتماعيا فهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه في مواجهة أفواج جديدة من المهاجرين، وهو ما يجب تجنّبه”. هذا ما تردّده رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية التي أقنعت بقية المسؤولين في الاتحاد بخطورة تضييق الخناق ماليا على الرئيس سعيّد، لأن تقديرات حكومتها بأن تونس مهدّدة بالإفلاس خلال ستة أو تسعة أشهر، وأيدها في ذلك الأمين العام للحلف الأطلسي الذي أعلن استعداد الحلف للتدخل من أجل إيقاف “الهجرة السرية” المتدفّقة من تونس، بدعم من روسيا حسب قوله. وبيّنت رئيسة الحكومة الإيطالية أن انهيار تونس سيمثل أكبر تهديد لإيطاليا، وهو ما جعلها تضع الملف التونسي في طليعة أولوياتها، وستزور تونس قريبا للتحدّث مع المسؤولين التونسيين حول هذه المسألة.

في الأثناء، يواصل قيس سعيّد التغريد خارج السرب. لا يريد الاعتراف بأن البلاد تعيش أزمة شاملة، ومهدّدة فعلا بالانهيار، ويرفض التسليم بما جاء، أخيرا، على لسان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مجلس الشيوخ، الذي اعتبر أن الاقتصاد التونسي “يسير نحو المجهول”، مؤكّدا على أن الحل الوحيد هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يرفض سعيّد التسليم به، رغم أن هذا موقف جميع الغربيين بمن فيهم الأوروبيون، وتحديدا الفرنسيين الذين كان يعدّهم حلفاء له، لكن أنصاره يتهمون باريس بالمشاركة في التآمر على تونس. ولهذا يحاول إقناع التونسيين بأن عليهم الاعتماد على أنفسهم مهما كان الحصاد، ومهما اشتدّت الأزمة وارتفعت الأسعار وتقلصت الموارد. أما الحكومة فهي مكبلة وعاجزة، لأنها هي أيضا مقتنعة بأن “الحل” يكمن في القبول بشروط صندوق النقد الدولي، وتوصلت إلى اتفاق معه على هذا الأساس، لكن الرئيس رفض تلك الشروط، خوفا من أن تنعكس سلبا على شعبيته، فبقي الأمر معلقا في انتظار حصول “معجزة”.

هكذا تتّجه الأزمة التونسية نحو التدويل، يؤولها كل طرفٍ حسب مصالحه وأهدافه. فالرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون اعتبر في مقابلته مع “الجزيرة” أن تونس “تتعرّض لمؤامرة والجزائر تقف معها أحب من أحب وكره من كره”، كما اعتبر أن الأزمة ازدادت وتيرتها بعد استقبال الرئيس سعيّد زعيم البوليساريو في أغسطس/ آب الماضي.

إلى أين يدفع الرئيس البلاد؟ سؤال مخيف يقضّ مضاجع التونسيين مهما اختلفت مشاربهم؟ هل أصبحت تونس مشكلة إقليمية ودولية بامتياز؟

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي