أثارت الشكاية التي تقدم بها أحد المحامين لدى المحكمة الابتدائية بالعاصمة الرباط، للمطالبة بتوقيف بث سلسلة “قهوة نص نص” التي تعرضها قناة الأولى بعد الإفطار، خلال شهر رمضان، بسبب ما أسماه بـ”الإساءة لمهنة المحاماة”، الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها نشطاء انحرافاً خطيراً وتضييقاً على الفن.
ولم تصدر المحكمة الابتدائية بالعاصمة الرباط، إلى حد الآن، أي قرار بخصوص موضوع شكاية المحامي، حيث أعلنت خلال أول جلسة في الموضوع، أمس الأربعاء، عن تأخير الملف وإدراجه بتاريخ الـ 3 من شهر ماي المقبل، بعدما طلبت مهلة للاطلاع.
وخلفت الخطوة التي أقدم عليها المحامون جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، واستنكاراً كبيراً من طرف مجموعة من الأكاديميين والإعلاميين والنشطاء، الذين اعتبروا الخطوة غير صائبة، مشددين على أنه ليس من حق أي كان أن يتقدم بشكوى للقضاء، لمجرد أن ممثلاً تقمص دور مهمته بشكل لم يرقه.
وفي هذا السياق، قال الإعلامي إسماعيل عزام، إن الأغلبية تتفق على أن “مستوى السيتكومات الرمضانية رديء بشكل عام ومن حقك في إطار حرية التعبير أن تعبر عن تذمرك وحتى تطالب بوقف تبذير المال على إنتاجات مشابهة”، مضيفاً: “لكن ليس من حقك رفع دعوى لوقف بث السلسلة بحجة أنها تسيء إلى مهنتك لمجرد أن إحدى شخصيات السلسلة تتقمص دور محامي بشكل لم يعجبك”.
وأوضح في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، أن “ما قام به أحد المحامين من رفع دعوى لوقف السلسلة أمر مرفوض ولا يمثل سوى مزيد من التضييق على حرية التعبير”، متابعاً: “أصلا حرية التعبير في المغرب تعاني أمام جبروت السلطة، والآن صارت كل مهنة تعلن نفسها مقدسة وكل تصوير لها يتحول إلى إساءة”.
ونبه إلى أن “المشكل أن المحامي برر دعواه بالقول: وذلك عند ظهور الممثلة بديعة الصنهاجي وهي تحمل البذلة، وتستقبل زبناءها في مقهى وتسعى الزبائن والموكلين، وأحيانا تقدم استشارات قانونية هناك”، مردفاً: “كل هذه الضجة لأنها تستقبل زبناءها في مقهى؟ أما لو صوّرت مشهدا فيه محامي ينتهك قرينة البراءة ويتهجم على الناس ويدافع عن السلطوية فالله أعلم ما هي الدعوى التي سترفع؟”.
واختتم عزام تدوينته بالاستغراب، حيث كتب: “كما لو أنه سبحان الله لدينا في المغرب محامون ملائكة، وصحافيون ملائكة، وأساتذة ملائكة، وحكام ملائكة، وأطباء ملائكة، وقضاة ملائكة ورياضيون ملائكة وفنانون ملائكة!”، مسترسلاً: “الكل ملاك فوق السخرية وفوق النقد”.
وبدوره انتقد الإعلامي المصطفى العسري الشكاية، حيث قال: “حسب ما يطالب به البعض، فإن تمثيل دور يمثل أي مهنة.. يجب أن يسبقه ترخيص من الهيئة التي تؤطر عمل تلك المهنة.. بالتالي يجب علينا مستقبلا، الاكتفاء بالأعمال التاريخية.. وأعمال الفنتازيا التي ليس هناك من سيندد بها من الهيئات المهنية..”.
واسترسل: “رحم الله الفنان العربي الكبير أحمد زكي، عندما قام ببطولة فيلم: ضد الحكومة، حيث قام بدور محامي فاسد، يأكل على ضحاياه أموال التعويضات المحكوم لهم بها.. قبل أن يستيقظ ضميره، عندما اكتشف أن ابنه ضمن ضحايا اصطدام حافلة مدرسية بقطار.. ليصرخ صرخته الشهيرة (كلنا فاسدون.. ولو بالصمت)..”.
واستطرد في إيراد النماذج التي جسدت أدوار مهنة المحامي بدون أي متابعة أو استنكار: “وأطال الله عمر الزعيم عادل إمام، عندما ظهر في فيلمه الكوميدي الشهير (الأفوكاتو).. بدور المحامي: حسن سبانخ، يلعب (بالبيضة والحجر) ويطوع نصوص القانون من أجل مآربه، ولمن يدفع أكثر من الفاسدين.. كما ظهر كمحامي في فيلم (طيور الظلام)..”.
وأشار العسري إلى أن هناك “عشرات الأدوار التي جسدت أدوار المحامين بشكل إيجابي أو سلبي، وآخرها دور الممثل السوري جمال سليمان في دور المحامي بمسلسل (الطاووس) الذي يبث حاليا في رمضان، حيث يسعى إلى مناصرة فتاة تعرضت للاغتصاب الجماعي، من قبل أبناء نافذين في الدولة.. دون أن تؤثر هذه الأعمال على صورة المحامي والمحاماة في مصر..”.
إلى جانب هذه المهنة، يتابع العسري: “فإن السينما والدراما جسدت أيضا، مهن أخرى.. كضباط ورجال الشرطة الفاسدين، والخونة (مسلسل الاختيار 2)، وكذلك الصحفيين الذين باعوا أنفسهم لهواهم، وآخرهم مسلسل (القاهرة- كابول) الذي يؤدي دور البطولة فيه فتحي عبد الوهاب.. في دور الصحفي المرتشي الذي باع ضميره..”.
بل، يسترسل: “وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي أمريكا اللاتينية، هناك أعمال أظهرت رؤساء للجمهورية فاسدون، وشواذ.. دون أن يتداعى السياسيون وزعماء الأحزاب ورؤساء البلدان إلى التنديد بهذا الأمر الجلل.. الذي شئنا أم أبينا.. يصور النفس البشرية الضعيفة.. وليس مهنة بذاتها”، وفق تدوينة العسري.
واعتبر الإعلامي نفسه، أن “الأعمال الدرامية والسينمائية عندنا مازالت قاصرة، فبالإضافة إلى أنها لم تصور الوجوه المشرقة من التاريخ المغربي، فإنها لم تقدم لنا وجوها فاسدة صنعت الحدث، وشغلت المغاربة، مثل الكوميسر الشهير (الحاج ثابث)، ولما لا، تصوير شخصية القاضي الذي حُكم عليه مؤخرا ب8 سنوات بتهم تكوين عصابة، والابتزاز، والاغتصاب.. ووو..”.
وتساءل العسري: “هل إذ ما فكر أي مخرج في إخراج أعمال تتناول سيرة رجالات الشرطة الفاسدين (التي تطرقت إليها الدراما المغربية في عدد من الأعمال)، ومعهم القضاة الفاسدون.. ستخرج علينا هيئاتهم المهنية للاحتجاج بذريعة أن من يتبع هذه الهيئات كلهم ملائكة.. ولا يمكن لهم أن ينزلوا إلى مستوى البشر لارتكاب ما يغضب الله، وما تجرمه القوانين الوضعية والسماوية..”، مختتماً: “تحية لنا للشرفاء في كل المهن، من شرطة، وصحافة، ومحاماة، وقضاة وأطباء وأئمة.. فكل مهنة فيها الصالح.. وأيضا الطالح”.
ومن جهته، تفاعل الأكاديمي سعيد السالمي مع الواقعة، حيث كتب: “دويو علينا وجيو علينا.. أخطر ما يهدد المحاماة في المغرب هي التجارة والسمسرة والشهرة كمورد للمال.. بقدر ما هناك محامون نزهاء وشرفاء يعتز بهم المغرب بقدر ما هناك سماسرة انتهازيون فاسدون مكانهم الطبيعي هو السجن..”.
وأردف السالمي في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “لا شك أن سلسلة: قهوة نص نص، بليدة ومملة وتفتقد إلى الإبداع وتشكل خطرا على ذكاء الناس ولكنها لا تسيء لمهنة المحاماة في شيء.. ياريت وتجرأ الإعلام المغربي ونقل الجانب المظلم في كل المهن بما فيها التي لا تستطيع الاقتراب منها..”.
ويرى عدد من المراقبين، بأن الخطوة التي أقدم عليها المحامون فتحت المجال أمام العديد من المهنيين للمطالبة بتوقيف مسلسلات تلفزيونية بذريعة أنها أساءت لشخصيات تمتهن حرفاً أو مهناً بعينها، وهو ما طالبت به بعض الممرضات بشأن “بنات العساس”، ونقابة السككيين التابعة للاتحاد المغربي للشغل، بخصوص مسلسل “كلنا مغاربة”.
يشار إلى أن الواقعة بدأت بعد ظهور إحدى الممثلات في السلسلة الرمضانية “قهوة نص نص” الكوميدية، وهي تتقمص دور المحامية، الأمر الذي لم يعجب لأصحاب البدلة السوداء، ليكيلوا الانتقادات اللاذعة، التي وصلت إلى حد رفع دعوى قضائية في الموضوع، بسبب ما اعتبره إساءة للمهنة، إلى جانب مراسلة الجمعية الوطنية للمحامين الشباب لـ”الهاكا”، مطالبةً إياها بالتدحل لوقف السلسلة، ومشددةً على أن “تشخيص دور المحامي أو المحامية من طرف الممثلين والممثلات يحتاج لترخيص مسبق”.
تعليقات الزوار ( 0 )