في زمن تتكاثر فيه الإشاعات وتنتشر الأخبار الكاذبة كالنار في الهشيم، ظهرت مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي «وثيقة» نُسبت إلى السلطات المغربية، تزعم أن ضباطاً من الجيش المغربي قُتلوا في غارة إيرانية على قاعدة عسكرية إسرائيلية.
وأثارت الوثيقة جدلاً واسعاً قبل أن يتبين، من خلال تحليل دقيق، أنها مزيفة بالكامل وتندرج في إطار حملة تضليل إعلامي ممنهجة تستهدف المغرب.
مصدر مشبوه… وحساب غير موثّق
وظهرت الوثيقة المزعومة أولاً على حساب غير موثّق في منصة «إكس» (تويتر سابقاً) يُدعى @algatedz، وهو حساب معروف بعلاقاته مع أوساط إعلامية جزائرية، وبترويجه لمحتوى عدائي تجاه المغرب.
وسبق لهذا الحساب أن نشر مراراً أخباراً مشكوكاً فيها حول الشأن المغربي، ما يطرح علامات استفهام حول نوايا ومصداقية القائمين عليه.
قراءة تحليلية للوثيقة: مؤشرات على الفبركة
وبإلقاء نظرة أولية على الوثيقة، يظهر عدد من المؤشرات التي تشير بوضوح إلى أنها غير رسمية، حيث استُعملت كلمة “SECRET” باللغة الإنجليزية لتصنيف سري للغاية، في حين أن الوثائق الرسمية المغربية تُستخدم فيها عبارات بالفرنسية مثل “Très Secret” أو “Confidentiel”.
كما أن هناك خليط لغوي غير منطقي، ويَظهر في رأس الوثيقة مزيج غير متسق من اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، وهو أمر لا يتماشى مع معايير تحرير الوثائق الإدارية أو العسكرية المغربية.
وتفتقر الوثيقة أيضا من ـ ناحية المعايير الشكلية ـ إلى أية أختام رسمية، أو توقيعات، أو أرقام مرجعية، ما يُضعف مصداقيتها ويجعلها أقرب إلى وثيقة مفبركة صادرة عن جهة غير رسمية.
أحداث لم تقع… وأسماء لا أثر لها
وتتحدث الوثيقة عن غارة إيرانية استهدفت قاعدة إسرائيلية تدعى “Meron”، وأسفرت – بحسب الزعم – عن مقتل ضابطين مغربيين يُدعيان مهدي جانور وجمال الإدريسي، إضافة إلى إصابة ضابط ثالث يُدعى نور الدين التازي.
غير أن أي مصدر إعلامي معتبر لم يؤكد هذه الرواية، حيث لم تصدر وزارة الدفاع الإسرائيلية أو الجيش الإسرائيلي (Tsahal) أي بيان بشأن وقوع غارة إيرانية بهذا الاسم أو في هذا الموقع.
كما لم تُسجل وكالة المغرب العربي للأنباء، ولا أي وسيلة إعلام مغربية، أي خبر يتعلق بمقتل عسكريين مغاربة على الأراضي الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، لم تنقل وكالات أنباء دولية كبرى مثل رويترز أو فرانس برس أو حتى وسائل إعلام إسرائيلية معروفة، أي معلومات تُشير إلى هذه الواقعة.
واقع العلاقات المغربية الإسرائيلية: دبلوماسية لا عسكرية
ومن المعروف أن المغرب يمتلك مكتب اتصال دبلوماسي في تل أبيب، في إطار تطبيع العلاقات مع إسرائيل، غير أن أي وجود عسكري مغربي في إسرائيل لم يُسجّل أو يُؤكَّد من أي جهة رسمية.
كما أن وجود عسكريين مغاربة على الأراضي الإسرائيلية، في حال حدوثه، يُعتبر تطوراً سياسياً وعسكرياً كبيراً لا يمكن أن يمر من دون تغطية إعلامية واسعة.
خلفيات التضليل: حرب معلومات ضد المغرب
وتحمل هذه الفبركة الإعلامية مؤشرات واضحة على استهداف منظم لصورة المغرب في الخارج، ضمن سياق إقليمي متوتر تُستخدم فيه وسائل الإعلام والمنصات الرقمية كسلاح للتأثير على الرأي العام.
ويرى خبراء في الإعلام الرقمي أن ما حدث يُعد نموذجاً لما يُعرف بـ”الهجمات المعلوماتية”، وهي محاولات نشر أخبار زائفة لأغراض سياسية أو دعائية، وغالباً ما تُستخدم فيها حسابات مزيفة أو غير موثقة، مع التركيز على قضايا حساسة قد تثير اهتمام الرأي العام.
تعليقات الزوار ( 0 )